السؤال
لقد سمعت مؤخرا حوارا بين بعض الإخوة في ما يسمى النسخ في القرآن، وأنه قد اختلف العلماء في تحديد الناسخ والمنسوخ من الآيات في القرآن الكريم، وكذلك علمت أن معنى النسخ في الشرع: الإلغاء، طبعا المفروض أن يكون الإلغاء لحكم شرعي كان قد عمل به.
السؤال: كيف يختلف العلماء في مسألة من المؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بينها ودلنا عليها؟ وكما أعلم أن الله يقول في كتابه على لسان النبي: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) [المائدة: 3]، إلا إذا كان النسخ عملية اجتهادية.
أفيدونا، أفادكم الله
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
يرد النسخ في اللغة لمعنيين:
أحدهما: التحويل والنقل، ومنه نسخ الكتاب وهو أن يحول من كتاب إلى كتاب.
والثاني: الرفع، يقال نسخت الشمس الظل أي ذهبت به وأبطلته.
والنسخ في الاصطلاح: هو إزالة ما استقر من الحكم الشرعي بخطاب وارد متراخيا لولاه لكان السابق ثابتا والنسخ في القرآن على وجوه:
أحدهما: أن يثبت الخط وينسخ الحكم مثل آية الوصية للأقارب وآية عدة الوفاة بالحول وآية التخفيف في القتال ومنها أن ترفع تلاوتها أصلا عن المصحف وعن القلوب، كما روي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف: أن قوما من الصحابة -رضي الله عنهم- قاموا ليلة ليقرؤوا سورة، فلم يذكروا منها إلا بسم الله الرحمن الرحيم، فغدوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبروه، فقال صلى الله عليه وسلم: تلك سورة رفعت تلاوتها وأحكامها.
والنسخ لا يدخل إلا الأحكام، فلا يدخل النسخ على الأخبار، وهو مذهب جمهور أهل العلم، ولم ينكر النسخ إلا طوائف متأخرة ممن ينتسب إلى الإسلام وهؤلاء محجوجون بقوله تعالى: ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها [البقرة: 106]، وقوله تعالى: وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر [النحل: 101]. فهاتان الآيتان صريحتان في وجود النسخ في القرآن، وقد أجمع السلف على وجود النسخ، وهذا الإجماع لا يضره ما ورد بعده من خلاف ممن لا يعتد بمخالفتهم.
وللنسخ فوائد:
منها: إظهار امتثال العباد أوامر الرب -جل وعلا-.
ومنها: التخفيف على العباد وهذا الغالب.
ومنها: كذلك التدرج في الأحكام كنسخ الأحكام التي أباحت بعض الأمور التي كان عليها المسلمون إلى الحرمة.
وقد ينسخ الأثقل إلى الأخف والأخف إلى الأثقل، كنسخ صيام يوم عاشوراء والأيام المعدودة برمضان، وينسخ المثل بمثله نقلا وخفة كالقبلة، وينسخ الشيء لا إلى بدل كصدقة النجوى، وينسخ القرآن بالقرآن والسنة، وحذاق الأئمة على أن السنة نسخ بالقرآن كذلك كما في قوله تعالى: فلا ترجعوهن إلى الكفار [الممتحنة: 10]، فإن رجوعهن إنما كان بصلح النبي -صلى الله عليه وسلم- لقريش.
والحذاق كذلك على جواز نسخ القرآن بخبر الواحد عقلا، واختلفوا هل وقع شرعا، فذهب أبو المعالي وغيره إلى وقوعه في نازلة مسجد قباء، ولا يصح نسخ نص بقياس إذ من شروط القياس ألا يخالف نصا، وهذا كله في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أما بعد موته واستقرار الشريعة، فأجمعت الأمة أنه لا نسخ، ولهذا كان الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به، إذ انعقاده بعد انقطاع الوحي، فإذا وجدنا إجماعا يخالف نصا، فيعلم أن الإجماع استند إلى نص ناسخ لا نعلمه نحن، وأن ذلك النص المخالف متروك العمل به. وإنما اختلف العلماء في مسألة من المؤكد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد بينها للأسباب التي اختلف بها كثير من الأئمة في مسائل الأحكام، منها عدم بلوغ النسخ لهم، ومنها اختلافهم في الحكم على الخبر الناسخ، هل هو صحيح أم ضعيف؟ ولاختلافهم في معرفة طرق النسخ وغير ذلك.
والله أعلم.