السؤال
استعان أخي بالغش في مادة القرآن، بأن كتب الآيات في بنطاله، وقد أنكرت عليه ذلك، ولكنه قال لي: إنه مع غسله سينتهي الموضوع، وتزول الآيات، وقال لي أبي ذلك أيضا.وبعد مرور الأسابيع والشهور، بدأت بالحيرة من الأمر، فقلت لأخي، ولأبي أيضا: إن هذا الأمر فيه عدم احترام للآيات؛ فإن الغسالة الأوتوماتيكية نستعملها لغسل الملابس الوسخة، وهنا تكمن المشكلة؛ فإن أخي يرى أني أبالغ، وأنه لم يفعل شيئا سيئا. أخي -وبالمثل أبي- قد سألاني نفس السؤال: وما الطريقة الصحيحة إذن للتخلص من الآيات؟ فأجبتهما بنفس الإجابة، إذا سألنا سنعلم، فأردت أن أعرف ماذا يجب علي فعله؟ أم إني فعلت ما علي فعله؟ علما أن أهلي يرون أني أفكر في الدين كثيرا، وبشكل ملحوظ وخطير، ربما بسبب طريقتي الخاطئة في النصح، فماذا أفعل مع أخي، الذي قد نسي الموضوع تماما؟ وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالغش في الاختبارات لا يجوز، سواء كانت الاختبارات في القرآن الكريم، أم غيره، قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: الغش في جميع المواد، حرام، ومنكر؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من غشنا، فليس منا). أخرجه مسلم في صحيحه. اهـ.
ولا ريب أن ما فعله أخوك منكر قبيح، فقد جمع بين الغش وبين التهاون في توقير كلام الله تعالى، حيث كتبه على بنطاله، فكتابة القرآن على البنطال، حتى لو كانت تزول في الحال، تشعر بعدم تعظيم كتاب الله، وقد منع أهل العلم كتابة شيء من القرآن على الثياب، ونحوها، مما يعرض للامتهان، قال السفاريني -رحمه الله- في غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب: وتكره كتابة شيء من القرآن العظيم في نحو الستر، والجدران (أو) أي: وكل (ما) أي: الذي (هو مظنة بذلة) وامتهان، كالثياب، ونحوها. اهـ.
وجاء في فتاوى نور على الدرب لابن باز -رحمه الله-: لا ريب أن تعظيم كلام الله، وتعظيم أسمائه سبحانه، من أهم الفرائض، وذلك من تعظيم الله عز وجل، فالواجب على جميع الباعة، والمؤسسات الطباعية، وغير ذلك، أن يحذروا وضع اسم الله، أو آيات من القرآن في أشياء تمتهن من الأطفال، أو غير الأطفال، كالملابس. اهـ.
أما التصرف مع هذا البنطال المكتوب عليه آيات القرآن، فالصواب أن يغسل في موضع لا يلامس النجاسة، فلا يغسل في الغسالة التي تشتمل على ملابس متنجسة، أو تلقي ماء الغسل في مجاري النجاسات، ولكن يغسل وحده، أو مع ملابس طاهرة، ويلقى الماء المنفصل من الغسل في مكان طاهر، قال ابن تيمية -رحمه الله-: وإذا كتب شيء من القرآن، أو الذكر في إناء، أو لوح، ومحي بالماء، وغيره، وشرب ذلك، فلا بأس به. نص عليه أحمد، وغيره، ونقلوا عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه كان يكتب كلمات من القرآن والذكر، ويأمر بأن تسقى لمن به داء، وهذا يقتضي أن لذلك بركة. والماء الذي توضأ به النبي صلى الله عليه وسلم هو أيضا ماء مبارك؛ صب منه على جابر، وهو مريض.
وكان الصحابة يتبركون به، ومع هذا؛ فكان يتوضأ على التراب، وغيره، فما بلغني أن مثل هذا الماء ينهى عن صبه في التراب، ونحوه، ولا أعلم في ذلك نهيا؛ فإن أثر الكتابة لم يبق بعد المحو كتابة، ولا يحرم على الجنب مسه. ومعلوم أنه ليس له حرمة كحرمته ما دام القرآن والذكر مكتوبان، كما أنه لو صيغ فضة، أو ذهب، أو نحاس على صورة كتابة القرآن والذكر، أو نقش حجر على ذلك على تلك الصورة، ثم غيرت تلك الصياغة، وتغير الحجر، لم يجب لتلك المادة من الحرمة، ما كان لها حين الكتابة... وحينئذ فصون هذه المياه المباركة من النجاسات، متوجه، بخلاف صونها من التراب، ونحوه من الطاهرات. باختصار من مجموع الفتاوى.
وعليه؛ فإن إنكارك على أخيك صحيح، وليس فيه مبالغة، أو تشدد، لكن عليك أن تراعي الرفق والحكمة في النصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا سيما مع الوالد؛ فإن له حقا عظيما، وانظر الفتوى رقم: 134356.
والله أعلم.