السؤال
هناك مسألة تشغلني، وأتعرض لها كثيرا -أنا والكثير ممن أعرفهم-، وهي متعلقة بحكم التعامل بالمال الحرام -سواء ميراثه، أم قبوله هدية، أو هبة، أم قبضه في معاوضة، أم اقتراضه قرضا حسنا، وغيرها من المعاملات التي لا مناص من الوقوع في بعضها-، وقد بحثت في حدود سعتي، وأنا في بحثي هذا كنت أبغي هدي الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يؤكده الدليل الصحيح، بلا احتمالات في فهمه تسقط الاستدلال به، أو ضعف في إسناده، ووقفت على تقسيم العلماء للمال الحرام إلى قسمين: الحرام لعينه، أو لذاته، وصورته المال المسروق، وهذا محل اتفاق -بحسب فهمي- بين العلماء، أن حرمته لا تنتقل للحل بالمناولة من يد ليد، حتى ولو كانت المناولة مباحة في الأصل –كالميراث، أو الهدية، أو الهبة، أو المعاوضة، أو القرض الحسن-، والإشكالية عندي في المال المحرم لكسبه، لا لعينه أو ذاته -أقصد هنا تحديدا المال الحرام كله، وليس المختلط-، وسبب الإشكالية أنني أجد الجمهور يلحقون حكم هذا المال بالمال المحرم لعينه، أو ذاته، فلا يتغير حكمه بالمناولة، ولم أقف على دليل يشفي صدري مع الجمهور، وذلك -بلا شك- لقصور بحثي، وفي المقابل وجدت علماء عندنا بمصر مشهودا لهم بالعلم والورع يفتون بتغير حكم المال بالمناولة، مثل الشيخ ابي إسحاق الحويني الذي أجاز الأكل عند موظف البنك -أي كل ماله حرام، وليس مختلطا-، والشيخ مصطفى العدوي الذي أجاز في فتوى قبول هبة الوالد الذي يعمل في الموسيقى، والذي -بلا شك- كل ماله حرام حرمة كسب، وليس مختلطا، وكذا الأكل عند تاجر الدخان، مستدلا بمذهب لابن مسعود مروي عن النخعي في تلك المسألة، وكذا وقفت على فتوى للشيخ ابن عثيمين أجاز فيها الفوائد البنكية الربوية إذا انتقلت للورثة، وتلك الفتوى معتمدة، ويفتى بها على موقع موثوق به كموقعكم وهو موقع "الإسلام سؤال وجواب "، والدليل الذي شفى صدري، وجعلني أميل لفتوى تغير حكم المال بالمناولة هو الحديث الذي ساقه المفتون بالجواز، وهو حديث بريرة في البخاري، وفيه انتقال حرمة صدقة اللحم بالمناولة للحل في صورة هدية، وليس الحديث وحده هو ما حملني على الأخذ بتلك الفتوى، فالذي حملني أيضا هو خوفي من أن أكون متنطعا، وأنا أدعي ورعا فيما لم يتورع عنه سيد الورعين صلى الله عليه وسلم، وبين الوقت والآخر أتذكر موقف الجمهور من تلك المسألة، فأخشى على نفسي؛ وذلك لجلالة علماء الجمهور في نفسي، وفي نفس الوقت لا أجد دليلا بحسب بحثي القاصر، فما هو دليل مذهب الجمهور؟ وهل تلك المسألة الخلافية مما يؤاخذ عليه يوم القيامة، لاسيما وأنا مخالف فيها للجمهور؟ جزاكم الله خيرا.