السؤال
هل من صلى صلاة التسابيح مرة واحدة، يغفر الله له جميع الكبائر التي عملها، والتي في المستقبل أيضا، حتى لو زنى، وشرب الخمر مرات عدة؟ أرجو الجواب بالتفصيل، ولا تحيلوني لفتاوى أخرى.
هل من صلى صلاة التسابيح مرة واحدة، يغفر الله له جميع الكبائر التي عملها، والتي في المستقبل أيضا، حتى لو زنى، وشرب الخمر مرات عدة؟ أرجو الجواب بالتفصيل، ولا تحيلوني لفتاوى أخرى.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن صلاة التسابيح ورد في فضلها حديث رواه أبو داود, وغيره، ولفظه: عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب: يا عباس، يا عماه، ألا أعطيك، ألا أمنحك، ألا أحبوك، ألا أفعل بك عشر خصال، إذا أنت فعلت ذلك، غفر الله لك ذنبك، أوله وآخره، قديمه وحديثه، خطأه وعمده، صغيره وكبيره، سره وعلانيته، عشر خصال: أن تصلي أربع ركعات، تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم، قلت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، خمس عشرة مرة، ثم تركع، فتقولها وأنت راكع عشرا، ثم ترفع رأسك من الركوع، فتقولها عشرا، ثم تهوي ساجدا، فتقولها وأنت ساجد عشرا، ثم ترفع رأسك من السجود، فتقولها عشرا، ثم تسجد، فتقولها عشرا، ثم ترفع رأسك، فتقولها عشرا، فذلك خمس وسبعون، في كل ركعة تفعل ذلك في أربع ركعات، إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة، فافعل، فإن لم تفعل، ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل، ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل، ففي كل سنة مرة، فإن لم تفعل، ففي عمرك مرة. انتهى.
وهذا الحديث صححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود, وصحيح الجامع, ومن أهل العلم من قال بعدم ثبوته, وقد ذكرنا تفصيل كلام أهل العلم في هذه المسألة في الفتوى رقم: 2501، وقد ترجح لدينا أن هذا الحديث لا يقل عن درجة الحسن؛ لكثرة طرقه التي يتقوى بها.
والذي يظهر من لفظ هذا الحديث, وكلام بعض شروحه أن من فعل صلاة التسبيح مرة واحدة, فإنها تكفر ما عمله من الصغائر, وكذلك الكبائر, وغيرها، سواء تعلق الأمر بالماضي, أم المستقبل، فقد جاء في شرح سنن أبي داود لبدر الدين العيني: قوله: "عشر خصال" أي: هي عشر خصال، وهي أن يغفر له أول ذنبه وآخره، وقديمه وحديثه، وخطؤه وعمده، وصغيره وكبيره، وسره وعلانيته، وقد اندرج في هذا سائر أنواع الذنب، ولا يمكن أن يقال فيه: المراد من الذنوب: الصغائر؛ لأنه صرح بغفران الكبيرة- أيضا. انتهى.
وفي الميسر في شرح مصابيح السنة لشهاب الدين التوربشتي: ثم إن قوله: (غفر له ذنبه): يحتمل أن يكون ذلك الغفران في بعض دون بعض، فإذا قال: (أوله وآخره): ارتفعت الشبهة، وبقي احتمال ذلك الغفران في بعض دونما بعض، فإذا قال: (أوله وآخره): ارتفعت الشبهة، وبقي احتمال أن يكون ذلك فيما قدم دون ما حدث، أو على القلب، فإذا قال: (قديمه وحديثه): زال ذلك الاحتمال، وبقي احتمال أن يكون ذلك في الصغير دون الكبير، فإذا نص عليهما، لم يبق للاحتمال مجال، إلا في السر والعلانية، فإذا ذكرا، زال الإشكال والاشتباه، فعلمنا من الوجوه التي ذكرناها: أن الحصر أفادنا معاني لم نكن لنعرفها إلا بإيراد هذه الألفاظ المعبر عنها بـ (الخصال العشر)، والله أعلم. انتهى.
يبقى الإشكال في مسألة غفران الذنوب التي قد تقع من المرء بعد صلاة التسابيح، فأنى تغفر له وهو لم يفعلها بعد؟
وقد أجاب الحافظ ابن حجر في الفتح عن هذا الإشكال، فقال: وقد ورد في غفران ما تقدم وما تأخر من الذنوب، عدة أحاديث، جمعتها في كتاب مفرد، وقد استشكلت هذه الزيادة من حيث إن المغفرة تستدعي سبق شيء يغفر، والمتأخر من الذنوب لم يأت، فكيف يغفر!؟
والجواب عن ذلك يأتي في قوله صلى الله عليه وسلم، حكاية عن الله عز وجل أنه قال في أهل بدر: اعملوا ما شئتم؛ فقد غفرت لكم. ومحصل الجواب أنه قيل: إنه كناية عن حفظهم من الكبائر، فلا تقع منهم كبيرة بعد ذلك، وقيل: إن معناه أن ذنوبهم تقع مغفورة. وبهذا أجاب جماعة منهم: الماوردي في الكلام على حديث صيام عرفة، وأنه يكفر سنتين: سنة ماضية، وسنة آتية. انتهى.
كما أن هذا الحديث, وأمثاله من أحاديث الوعد، لا يشمل المقيم على المعاصي, بل يختص بمن كان مستقيما على أوامر الله تعالى، يقول المناوي في فيض القدير: قال ابن بطال: والفضائل الواردة في التسبيح، والتحميد، ونحو ذلك، إنما هي لأهل الشرف في الدين والكمال، كالطهارة من الحرام، وغير ذلك، فلا يظن ظان أن من أدمن الذكر، وأصر على ما شاء من شهواته، وانتهك دين الله وحرماته، أن يلتحق بالمطهرين المقدسين، ويبلغ منازل الكاملين بكلام أجراه على لسانه، ليس معه تقوى، ولا عمل صالح. انتهى.
والله أعلم.