السؤال
عزم ورثة على بيع شقتهم لأجنبي عنهم، من خلال سمسار. وقد اتفق هذا السمسار مع مشتر على البيع له، وتم تحديد السعر، ويوم لتنفيذ البيع بين السمسار والمشتري، الذي بدوره نقل هذا الكلام للورثة، ولكن حدث خلاف بين المشتري والسمسار، وهو أن المشتري رفض أن يعطي للسمسار عمولته، والعرف جرى أن يأخذ السمسار من المشتري والبائع عمولة، وعليه فقد طلب السمسار من الورثة أن يتحملوا عمولة المشتري، أي يدفعوا عمولتين للسمسار، ووافق الورثة على مضض وكراهة.
وقد حدثت مشادة بين السمسار والمشتري، لمطالبة السمسار بعمولته من المشتري، وإصرار الأخير على الرفض، ونتج عن ذلك أن غضب السمسار من أسلوب المشتري؛ فأتى بمشتر آخر، ولكن بسعر أقل قليلا جدا عن الأول، ووافق الورثة على البيع للثاني. "كانت الشقة قد بيعت للمشتري الأول ب 207 ألفا، والثاني اشترى ب 205 ألفا"
فهل ما قبضه الورثة من بيع الشقة للمشتري الثاني، حلال أم حرام؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن البيع صحيح، وما ترتب عليه من ثمن، فهو مباح للبائعين، ولا يعتبر البيع من قبيل السوم على سوم الغير المنهي عنه، ما دام لم يحصل من الباعة تصريح بالرضا للمشتري الأول بالبيع، فمحل النهي عن السوم على سوم الأخ، هو في حال تصريح البائع بالرضا بالبيع.
وقد فصل ابن قدامة في المغني مسألة السوم على السوم فقال: وروى مسلم، عن أبى هريرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يسم الرجل على سوم أخيه". ولا يخلو من أربعة أقسام:
أحدها: أن يوجد من البائع تصريح بالرضا بالبيع، فهذا يحرم السوم على غير ذلك المشترى، وهو الذي تناوله النهى.
الثاني: أن يظهر منه ما يدل على عدم الرضا فلا يحرم السوم؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- باع في من يزيد، فروى أنس: أن رجلا من الأنصار شكا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- الشدة والجهد، فقال له: "أما بقى لك شيء؟ " فقال: بلى، قدح وحلس، قال: "فأتني بهما" فأتاه بهما، فقال: "من يبتاعهما؟ " فقال رجل: أخذتهما بدرهم. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من يزيد على درهم؟ من يزيد على درهم؟ " فأعطاه رجل درهمين، فباعهما منه. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. وهذا أيضا إجماع المسلمين، يبيعون في أسواقهم بالمزايدة.
الثالث: أن لا يوجد منه ما يدل على الرضا ولا على عدمه، فلا يحرم السوم أيضا، ولا الزيادة؛ استدلالا بحديث فاطمة بنت قيس، حين ذكرت للنبي -صلى الله عليه وسلم- أن معاوية وأبا جهم خطباها، فأمرها أن تنكح أسامة. وقد نهى عن الخطبة على خطبة أخيه، كما نهى عن سوم أخيه، فما أبيح في أحدهما أبيح في الآخر.
الرابع، أن يظهر منه ما يدل على الرضا من غير تصريح، فقال القاضي: لا تحرم المساومة، وذكر أن أحمد نص عليه في الخطبة، استدلالا بحديث فاطمة. ولأن الأصل إباحة السوم والخطبة، فحرم منه ما وجد فيه التصريح بالرضا، وما عداه يبقى على الأصل. ولو قيل بالتحريم هاهنا، لكان وجها حسنا، فإن النهى عام خرجت منه الصور المخصوصة بأدلتها، فتبقى هذه الصورة على مقتضى العموم. ولأنه وجد منه دليل الرضا، أشبه ما لو صرح به، ولا يضر اختلاف الدليل بعد التساوي في الدلالة، وليس في حديث فاطمة ما يدل على الرضا؛ لأنها جاءت مستشيرة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وليس ذلك دليلا على الرضا، فكيف ترضى وقد نهاها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "لا تفوتينا بنفسك". فلم تكن تفعل شيئا قبل مراجعة النبي - صلى الله عليه وسلم-.
والحكم في الفساد كالحكم في البيع على بيع أخيه، في الموضع الذى حكمنا بالتحريم فيه. انتهى.
بل حتى لو فرض أن ما حصل كان من باب السوم على سوم الغير المنهي عنه، فالبيع صحيح عند جماهير العلماء، كما سبق في الفتوى رقم: 192873.
والله أعلم.