ترك السعي في تحقيق المصالح الدنيوية خوفًا من العين أو الحسد

0 85

السؤال

أمي -بارك الله فيها، وجزاها الله عنا خير الجزاء- على قدر عال من التعليم والتدين -ولا نزكي على الله أحدا- وتخاف علينا من الحسد والعين، وأنا أدرك مدى حبها لنا، وأعلم أننا تأذينا كثيرا بسبب الحسد، وأعرف أن العين حق، ولكني دائما أذكر أمي أن الله هو الحافظ، وما دمنا نواظب على الأذكار، فإن الله سيحفظنا، وإن أصابنا شيء، فهو ما كتبه الله لنا، وهو خير في كل الأحوال.مؤخرا اقترحت على أمي أن نتشارك جميعا في مشروع استثماري لإضافة دخل إضافي، ولكنها خائفة علينا -على أبنائها خصوصا- من العين؛ حيث سيظن الناس أن المشروع ملك لأحد أبنائها، فظلت تؤجل الأمر، وتحثنا على أن نبحث عن فرصة أخرى للاستثمار في مكان آخر -وهو أمر صعب-، وأنا غير مقتنع، وأخبرت أمي أني سأستشير أهل الفتوى في الأمر، ونرى إجابتهم، وهي وافقت، فهل نترك مثل هذا الاستثمار، أو أي عمل فيه خير لنا؛ مخافة الحسد والعين، أو نستخير، ونتوكل على الله، ونباشر به؟ آسف على الإطالة، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فلا شك أن الحسد موجود، والعين حق، ولكن تعطيل العمل النافع، وترك السعي في تحقيق المصالح الدنيوية؛ خوفا من العين أو الحسد، لا شك أن هذا غلو، وغير محمود.

وهذا نبي الله يعقوب -عليه السلام- لما خاف على أولاده من العين، لم يحمله خوفه على حبسهم عنده، وعدم إرسالهم إلى مصر؛ للقدوم بالميرة، بل أذن لهم في الذهاب، والسعي في الأرض، ورغبهم في التوكل على الله، وأمرهم أيضا بشيء من أسباب الوقاية من العين، فقال كما في سورة يوسف: وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون [يوسف:67]، قال السعدي في تفسيره: وصاهم إذا هم قدموا مصر، أن {لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة}؛ وذلك أنه خاف عليهم العين؛ لكثرتهم، وبهاء منظرهم، لكونهم أبناء رجل واحد، وهذا سبب، {و} إلا فـ {ما أغني عنكم من الله من شيء}، فالمقدر لا بد أن يكون، {إن الحكم إلا لله} أي: القضاء قضاؤه، والأمر أمره، فما قضاه وحكم به، لا بد أن يقع، {عليه توكلت} أي: اعتمدت على الله، لا على ما وصيتكم به من السبب، {وعليه فليتوكل المتوكلون} فإن بالتوكل يحصل كل مطلوب، ويندفع كل مرهوب. اهـ.

كما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسلم بالحرص على ما ينفعه فقال: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز. رواه مسلم، قال القرطبي في المفهم: قوله: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز" أي: استعمل الحرص، والاجتهاد في تحصيل ما تنتفع به في أمر دينك ودنياك، التي تستعين بها على صيانة دينك، وصيانة عيالك، ومكارم أخلاقك، ولا تفرط في طلب ذلك، ولا تتعاجز عنه ... اهـ.

والخلاصة؛ أنه إذا كان المشروع الذي ترغبون فيه نافعا، وليس فيه شيء من المحرمات، فلا تتركوه خوفا من الحسد أو العين.

ونوصي أمكم بالاقتداء بنبي الله يعقوب -عليه الصلاة والسلام-، فتأذن لكم في الأخذ بالأسباب، والسعي لمصالحكم، ولتجتهد في الدعاء لكم بالحفظ، والإعانة، ففي الحديث: ثلاث دعوات مستجابات، لا شك فيهن: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم. رواه أبو داود.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة