السؤال
أنا مدين للشركة التي أعمل بها بمال، مع العلم أن معظم المال ضائع في السوق، والشركة أوقفت كل حقوقي حتى سداد الدين، ولا يوجد مصدر دخل آخر للمعيشة.
هل يجوز الأخذ من مال الشركة للمعيشة بنية السداد؟ وهل يعتبر المال الذي يؤخذ حراما، وبالتالي أكون ممن لا يستجيب الله له؛ لأنه غذي بالحرام والعياذ بالله؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للسائل أن يأخذ من مال الشركة شيئا دون علمها، ولو بنية سداده! فقد قال رسول الله في خطبته في حجة الوداع في أيام التشريق: إن دماءكم وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقونه ... ألا لا تظلموا، ألا لا تظلموا، ألا لا تظلموا؛ إنه لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه. رواه أحمد، وحسنه الألباني. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه. رواه مسلم. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق، لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان. رواه الشيخان وأحمد، واللفظ له.
وأخذ هذا المال وإنفاقه على المعيشة يعرض السائل للوعيد الذي أشار إليه، فإن الكسب الحرام مانع من موانع إجابة الدعاء، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 13728 // 107733 // 187675.
وأما دين الشركة عند السائل، فهو حق يجب أداؤه عند اليسار، وأما عند الإعسار فقد بين الله تعالى حكم المعسر فقال: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة [البقرة : 280]، فيجب عندئذ على دائنه إنظاره، ولا تجوز عقوبته، ولا إكراهه على العمل مقابل المال الذي عليه، كما سبق بيانه في الفتويين: 12311 // 260227. وانظر للفائدة، الفتوى رقم: 368182.
وعلى هذا؛ فإن كان السائل معسرا لا يستطيع سداد الدين الذي عليه للشركة، وليس له دخل يعيش منه إلا راتبه، فليس للشركة أن توقف جميع راتبه لسداد دينه، بل لا بد أن تترك له منه ما يكفيه هو وعياله بالمعروف.
فقد عقد العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام فصلا فيما يقدم من حقوق بعض العباد على بعض؛ لترجح التقديم على التأخير في جلب المصالح ودرء المفاسد.
قال: وله أمثلة ... منها تقديمه على غرمائه بنفقته ونفقة عياله، وكسوته وكسوة عياله من حين يحجز عليه إلى يوم وفاء دينه. اهـ.
والله أعلم.