السؤال
لدي سؤالان -جزاكم الله خيرا-.
السؤال الأول: في القرآن آيتان: (عبس وتولى...)، (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله...)، وسؤالي هو: لماذا لا يستخدم العلماء هاتين الآيتين حجة على الملحدين، الذين يقولون: إن القرآن من افتراء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟ فلو كان فعلا من افترائه، لما انتقد نفسه فيه، أليس كذلك؟
السؤال الثاني: رغم أن بعض الآيات من القرآن غير مفسرة، أو فيها اختلاف بين العلماء، إلا أننا نجد القرآن مترجما لعدة لغات، فكيف ذلك؟ وما التفسير المعتمد في الترجمة؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
بالنسبة للسؤال الأول: فما زال العلماء يذكرون الآيات التي عاتب الله فيها نبيه صلى الله عليه وسلم، على أنها وجه من وجوه كون القرآن حقا، وصدق الرسول صلوات الله عليه فيما بلغه عن ربه، وأنه غير مفترى، بل هو وحي من عند الله تعالى، قال الشيخ دراز -رحمه الله- في النبأ العظيم: وأخرى كان يجيئه القول فيها على غير ما يحبه ويهواه، فيخطئه في الرأي يراه، ويأذن له في الشيء لا يميل إليه، فإذا تلبث فيه يسيرا تلقاه القرآن بالتعنيف الشديد، والعتاب القاسي، والنقد المر، حتى في أقل الأشياء خطرا: "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك" "وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه"، "عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين"، "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم"، "ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم، لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم"، "أما من استغنى، فأنت له تصدى، وما عليك ألا يزكى، وأما من جاءك يسعى، وهو يخشى، فأنت عنه تلهى".
أرأيت لو كانت هذه التقريعات المؤلمة صادرة عن وجدانه، معبرة عن ندمه، ووخز ضميره حين بدا له خلاف ما فرط من رأيه، أكان يعلنها عن نفسه بهذا التهويل والتشنيع؟ ألم يكن له في السكوت عنها ستر على نفسه، واستبقاء لحرمة آرائه؟ بلى؛ إن هذا القرآن لو كان يفيض عن وجدانه؛ لكان يستطيع عند الحاجة أن يكتم شيئا من ذلك الوجدان، ولو كان كاتما شيئا لكتم أمثال هذه الآيات، ولكنه الوحي لا يستطيع كتمانه: "وما هو على الغيب بضنين". انتهى.
وقد أطال النفس في تقرير هذا المعنى وأطاب -رحمه الله-.
وأما السؤال الثاني: فإن العلماء قد تكلموا على جميع ما في القرآن، ولم يتركوا شيئا منه بغير بيان، غاية ما هناك أن بعضهم يتوقف في بعض المواضع، كالأحرف المقطعة، فيقول: إن الله أعلم بمراده منها، وليس شيء من ذلك مانعا من الترجمة، والبيان باللغات المختلفة.
وأما أي التراجم أكثر موثوقية، فلم تبين لنا أي اللغات تقصد.
والله أعلم.