حكم اقتناء الكلاب المدربة للمساعدة في حماية وتأهيل مرضى التوحد

0 80

السؤال

هل يجوز اقتناء كلب مدرب، للمساعدة في حماية وتأهيل وتهدئة أشخاص من ذوي اضطراب طيف التوحد، أو أي إعاقات أخرى ذات احتياج لذلك؟ علما بأن الكلب المدرب أثبت أثرا إيجابيا مع العديد من الحالات التي تعاني من أذى النفس، أو الضياع عن المنزل، أو نوبات الهيجان أو قصور التواصل مع الغير، أو قصور التفاعل الاجتماعي، أو الوقوع بالأذى بسبب عدم تقدير المخاطر، حيث يساعد الكلب المدرب على حماية الشخص وتهدئته، وتحسين تواصله وتفاعله مع الغير. كما يساعد الكلب المدرب (Service Dog or Assistant Dog) على تخفيف الضغط النفسي عن الأهل بسبب الحاجة الشديدة إلى مراقبة ذي التوحد، لحمايته من الوقوع في المخاطر أو الضياع، وحسب الاحتياج؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد جاءت السنة بذم اتخاذ الكلاب، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: من اتخذ كلبا إلا كلب ماشية، أو صيد، أو زرع: انتقص من أجره كل يوم قيراط. رواه مسلم.

وهذه الأنواع المستثناة في الحديث، إنما استثنيت لما فيها من منافع وحاجة الناس إليها، وقد نص طائفة من أهل العلم المحققين على قياس المنافع الأخرى على منفعة الصيد أو الحرث، أو الماشية.

فقال النووي في شرح مسلم: اختلف في جواز اقتنائه لغير هذه الأمور الثلاثة، كحفظ الدور والدروب، والراجح: جوازه قياسا على الثلاثة، عملا بالعلة المفهومة من الحديث، وهي: الحاجة. اهـ.
وقال ابن عبد البر في التمهيد: وفي معنى هذا الحديث تدخل عندي إباحة اقتناء الكلاب للمنافع كلها، ودفع المضار إذا احتاج الإنسان إلى ذلك ... وإنما كره من ذلك اقتناؤها لغير منفعة وحاجة وكيدة، فيكون حينئذ فيه ترويع الناس، وامتناع دخول الملائكة في البيت والموضع الذي فيه الكلب، فمن ههنا -والله أعلم- كره اتخاذها، وأما اتخاذها للمنافع فما أظن شيئا من ذلك مكروها؛ لأن الناس يستعملون اتخاذها للمنافع ودفع المضرة قرنا بعد قرن، في كل مصر وبادية فيما بلغنا والله أعلم، وبالأمصار علماء ينكرون المنكر ويأمرون بالمعروف، ويسمع السلطان منهم، فما بلغنا عنهم تغيير ذلك إلا عند أذى يحدث من عقر الكلب ونحوه. اهـ.
وأسند الجصاص في أحكام القرآن حديث عدي بن حاتم قال: لما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد الكلاب، لم يدر ما يقول لي حتى نزلت: {وما علمتم من الجوارح مكلبين}. ثم قال: قد اقتضى ظاهر هذا الحديث الأول، أن تكون الإباحة تناولت ما علمنا من الجوارح، وهو ينتظم الكلب وسائر جوارح الطير، وذلك يوجب إباحة سائر وجوه الانتفاع بها، فدل على جواز بيع الكلب والجوارح، والانتفاع بها بسائر وجوه الانتفاع، إلا ما خصه الدليل وهو الأكل. اهـ.
ونقله القرطبي في تفسيره عن بعض من صنف في أحكام القرآن. ولم يتعقبه.
وجاء في الموسوعة الفقهية: اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز اقتناء الكلب إلا لحاجة: كالصيد والحراسة، وغيرهما من وجوه الانتفاع التي لم ينه الشارع عنها. اهـ.
وقال ابن المبرد الحنبلي في كتابه (الإغراب في أحكام الكلاب): قال أهل العلم: يجوز اقتناء الكلب لمصلحة توجب ذلك من حفظ ماشية .. وكذلك لصيد مباح، وكذلك لحفظ زرع، وكذلك لحفظ ثمر من شيء يؤذيه، ولا فرق بين أن يكون المؤذي فيه آدميا، أو غيره من دواب مملوكة ووحوش، أو غير ذلك. وكذلك إذا كانت تقاتل الأعداء، وكذلك للحفظ من اللصوص لتنبيه بالليل إذا أتوه، أو تدفعهم عنه، وكذلك لدفع ذئاب عن ماشيته أو أولاده، وكذلك للإعلام بمن يدخل مكانا، أو غير ذلك من المصالح الراجحة

 إلى أن قال: لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في كلب الصيد في أحاديث متعددة، وأخبر أن متخذه للصيد لا ينقص من أجره، وأذن في أحاديث أخرى في كلب الماشية، وكلب الغنم، وكلب الزرع، فعلم أن العلة المقتضية لجواز الاتخاذ: المصلحة، والحكم يدور مع علته وجودا وعدما، فإذا وجدت المصلحة جاز الاتخاذ، حتى إن بعض المصالح أهم وأعظم من مصلحة الزرع، وبعض المصالح مساوية للتي نص الشارع عليها، ولا شك أن الثمار هي في معنى الزرع، والبقر في معنى الغنم، وكذلك الدجاج والأوز -لدفع الثعالب عنها- هي في معنى الغنم، ولا شك أن خوف اللصوص على النفس، واتخاذه للإنذار بها والاستيقاظ لها أعظم مصلحة من ذلك، والشارع مراع للمصالح ودفع المفاسد، فحيث لم تكن فيه مصلحة ففيه مفسدة؛ فإنه ينجس ويقذر ويأكل بغير فائدة ولا مصلحة، ولهذا إذا لم يكن فيه مصلحة كانت فيه مفسدة، فنقص به الأجر، فأما إذا كانت فيه مصلحة فإنه يجوز اتخاذه لتلك المصلحة. اهـ.
وقال أيضا: لا يجوز اقتناء كلب؛ ليلاعب به صبيا، أو يلهيه به ويشاغله. اهـ.
فعرف بهذا أن المنهي عنه هو اتخاذ الكلب لمجرد اللهو واللعب، وأما اتخاذه لحاجة أو مصلحة معتبرة، فلا بأس به. ومن ذلك ما جاء في السؤال من حماية وتأهيل وتهدئة الأشخاص المصابين بالتوحد، إذا ثبت ذلك علميا وعمليا. فلا نرى حرجا في ذلك. وراجع للفائدة الفتوى رقم: 121956.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى