السؤال
هل هناك دليل من القرآن على أن الملائكة كلهم يوحدون الله، ويعرفون الله ببعض صفاته التي نعرفها؟
هل هناك دليل من القرآن على أن الملائكة كلهم يوحدون الله، ويعرفون الله ببعض صفاته التي نعرفها؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا ريب في كون الملائكة جميعا موحدين، ويعرفون الله تعالى بصفاته التي يعرفها البشر، كما يدل عليه قولهم في مخاطبة الله تعالى: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم [البقرة:32]، وقد تواردت الآيات الدالة على ذلك، كقوله تعالى: شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم [آل عمران:18]، وقوله سبحانه: لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا [النساء:166]، وقوله عز وجل: ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته [الرعد:13]، وقوله تبارك وتعالى: وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم [الزمر:75].
ومن تأمل وصف الملائكة في كتاب الله تعالى، علم أن الأمر لا يقتصر على مجرد التوحيد، ومعرفة الله ببعض صفاته التي يعرفها البشر، بل حالهم أكمل من هذا بكثير، كما يدل عليه قوله تعالى: ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون* يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون [النحل:49-50]، وقوله سبحانه: وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون* يسبحون الليل والنهار لا يفترون [الأنبياء:19-20]، قال السعدي في تفسيره: {ومن عنده} أي: من الملائكة {لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون} أي: لا يملون ولا يسأمونها؛ لشدة رغبتهم، وكمال محبتهم، وقوة أبدانهم، {يسبحون الليل والنهار لا يفترون} أي: مستغرقين في العبادة، والتسبيح في جميع أوقاتهم، فليس في أوقاتهم وقت فارغ، ولا خال منها، وهم على كثرتهم بهذه الصفة. اهـ.
ثم قال تعالى بعد ذلك: وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون* لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون* يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون [الأنبياء:26-28]، قال السعدي في تفسيره: يخبر تعالى عن سفاهة المشركين المكذبين للرسول، وأنهم زعموا - قبحهم الله - أن الله اتخذ ولدا، فقالوا: الملائكة بنات الله، تعالى الله عن قولهم، وأخبر عن وصف الملائكة، بأنهم عبيد مربوبون مدبرون، ليس لهم من الأمر شيء، وإنما هم مكرمون عند الله، قد أكرمهم الله، وصيرهم من عبيد كرامته ورحمته؛ وذلك لما خصهم به من الفضائل، والتطهير عن الرذائل، وأنهم في غاية الأدب مع الله، والامتثال لأوامره ... اهـ.
وأما المحل الذي يختلف فيه أهل العلم في حق الملائكة، فهو العصمة: هل تثبت لهم جميعا، أم تخص المرسلين منهم؟
والصواب: أنهم جميعا معصومون من مخالفة أمر الله تعالى، قال الدكتور عمر الأشقر في كتابه: (عالم الملائكة الأبرار): نقل السيوطي عن القاضي عياض: أن المسلمين أجمعوا على أن الملائكة مؤمنون فضلاء، واتفق أئمة المسلمين أن حكم المرسلين منهم حكم النبيين سواء في العصمة مما ذكرنا عصمتهم منه، وأنهم في حقوق الأنبياء والتبليغ إليهم كالأنبياء مع الأمم. واختلفوا في غير المرسلين منهم، فذهب طائفة إلى عصمتهم جميعا عن المعاصي، واحتجوا بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) [التحريم:6]، وبقوله: (وما منا إلا له مقام معلوم* وإنا لنحن الصافون* وإنا لنحن المسبحون) [الصافات:164-166]، وبقوله: (ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون) الآية [الأنبياء:19]، وقوله: (كرام بررة) [عبس:16]، وقوله: (لا يمسه إلا المطهرون) [الواقعة:79]، ونحوه من السمعيات.
وذهبت طائفة إلى أن هذا خصوص للمرسلين منهم، والمقربين، واحتجوا بقصة هاروت وماروت، وقصة إبليس، والصواب عصمتهم جميعا، وتنزيه جنابهم الرفيع عن جميع ما يحط من رتبهم، وينزلهم عن جليل مقدارهم.
قال: والجواب عن قصة هاروت وماروت أنها لم يرو فيها شيء لا سقيم ولا صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن قصة إبليس أن الأكثر ينفون أنه من الملائكة، ويقولون: إنه أبو الجن، كما أن آدم أبو البشر، انتهى. اهـ.
والله أعلم.