هل يلزم لتحصيل الأجر المترتب على الأذكار تدبرُ معانيها؟

0 256

السؤال

هل يجب التركيز، واستحضار معاني هذه الأدعية؛ حتى أحصل على أجرها، أم يكفي مجرد التلفظ؟
- الحديث: "ما على الأرض أحد يقول: لا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إلا كفرت عنه خطاياه، ولو كانت مثل زبد البحر. صحيح الجامع: 5636.
- امحها بعد طعامك: "من أكل طعاما، ثم قال: الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام، ورزقنيه، من غير حول مني، ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه... . صحيح الجامع: 6086.
الآن، امحها بعد لباسك: "ومن لبس ثوبا، فقال: الحمد لله الذي كساني هذا، ورزقنيه، من غير حول مني، ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. صحيح الجامع: 6086.
- امحها في يومك: "من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة، حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر. صحيح مسلم: 2691.
- امحها بعد صلاتك: ((من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبر الله ثلاثا وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر)). صحيح مسلم: 597.
- امحها قبل نومك: ((من قال حين يأوي إلى فراشه: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، غفرت له ذنوبه، أو خطاياه -شك مسعر -، وإن كانت مثل زبد البحر)). صحيح الترغيب: 607.
- امحها حين الأذان: ((من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، رضيت بالله ربا، وبمحمد رسولا، وبالإسلام دينا؛ غفر له ذنبه)). صحيح مسلم: 386.
- امحها باستغفارك: ((من قال: أستغفر الله، الذي لا إله إلا هو، الحي القيوم، وأتوب إليه، غفر له وإن كان فر من الزحف)). مشكاة المصابيح.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا يلزم لتحصيل الأجر المترتب على الأذكار، تدبر معناها؛ فإن الأجر يثبت بمجرد الذكر باللسان.

 وأما استحضار القلب والتدبر، فهو مستحب، لا واجب، والأجر المترتب على تدبر معاني الأذكار، قدر زائد على الأجر الثابت على مجرد النطق بها.

ولا شك أن أثر الذكر على القلب، وانتفاعه به، لا يكمل بغير تفكر وتدبر، قال الحافظ ابن حجر في كتابه: (فتح الباري شرح صحيح البخاري): ... ثم الذكر يقع تارة باللسان، ويؤجر عليه الناطق، ولا يشترط استحضاره لمعناه، ولكن يشترط أن لا يقصد به غير معناه، وإن انضاف إلى النطق الذكر بالقلب، فهو أكمل. انتهى.

وقال فيه أيضا: ورأيت في الحلبيات للسبكي الكبير: الاستغفار طلب المغفرة، إما باللسان، أو بالقلب، أو بهما.

فالأول فيه نفع؛ لأنه خير من السكوت، ولأنه يعتاد قول الخير، والثاني نافع جدا، والثالث أبلغ منهما. انتهى.

وقال فيه أيضا: وأفاد أن النية إنما تشترط في العبادة التي لا تتميز بنفسها، وأما ما يتميز بنفسه؛ فإنه ينصرف بصورته إلى ما وضع له، كالأذكار، والأدعية، والتلاوة؛ لأنها لا تتردد بين العبادة والعادة. ولا يخفى أن ذلك إنما هو بالنظر إلى أصل الوضع، أما ما حدث فيه عرف، كالتسبيح للتعجب، فلا، ومع ذلك؛ فلو قصد بالذكر القربة إلى الله تعالى؛ لكان أكثر ثوابا.

ومن ثم؛ قال الغزالي: حركة اللسان بالذكر مع الغفلة عنه، تحصل الثواب؛ لأنه خير من حركة اللسان بالغيبة، بل هو خير من السكوت مطلقا، أي: المجرد عن التفكر. قال: وإنما هو ناقص بالنسبة إلى عمل القلب. انتهى. ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: في بضع أحدكم صدقة. انتهى.

وقال الإمام النووي في كتابه: (الأذكار): الذكر يكون بالقلب، ويكون باللسان، والأفضل منه ما كان بالقلب واللسان جميعا، فإن اقتصر على أحدهما، فالقلب أفضل. انتهى.

وقد أثر عن الزاهدة العابدة رابعة العدوية أنها قالت: استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير.

فقال الإمام الغزالي في توجيه عبارتها: فلا تظن أنها تذم حركة اللسان من حيث إنه ذكر الله، بل تذم غفلة القلب، فهو محتاج إلى الاستغفار من غفلة قلبه، لا من حركة لسانه، فإن سكت عن الاستغفار باللسان أيضا، احتاج إلى استغفارين، لا إلى استغفار واحد. انتهى من (إحياء علوم الدين).

هذا، والظاهر أن الذاكر (ولو بلا تدبر)، يحصل له الفضل الخاص المترتب على الذكر المعين، فضلا عن أجر مجرد الذكر؛ لعموم الأحاديث التي ترتب حصول الفضل الخاص على الذكر المعين، دون اشتراط التدبر لحصوله، قال الشوكاني في كتابه: (تحفة الذاكرين): لا ريب أن تدبر الذاكر لمعاني ما يذكر به، أكمل؛ لأنه بذلك يكون في حكم المخاطب والمناجي، لكن وإن كان أجر هذا أتم وأوفى، لا ينافي ثبوت ما ورد الوعد به من ثواب الأذكار لمن جاء بها، فإنه أعم من أن يأتي بها متدبرا لمعانيها، متعقلا لما يراد منها أو لا، ولم يرد تقييد ما وعد به من ثوابها بالتدبر، والتفهم. انتهى.

والمراد بالثواب في كلام الشوكاني، هو جائزة الذكر، وفضله الخاص.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة