معنى النصوص التي فيها الوعيد على بعض المحرمات بعدم استجابة الدعاء

0 594

السؤال

قرأت في فتاوى لكم، أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مانع من موانع إجابة الدعاء؛ مما سبب لي كثيرا من القلق، فأنا لا أستطيع ذلك حياء وخجلا، ومهما قرأت في التغلب على ذلك، لا أستطيع، فهل كل دعائي يذهب هباء دون أي فائدة، ولا يدخر لي في الآخرة؟ وسمعت من عالم ثقة، أن عدم إجابة الدعاء، هذا للعامة وليس للفرد، فهل هذا صحيح؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الخجل ليس عذرا في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ إذا تعين على المرء، ولم يكن له عذر يسقط عنه وجوب الأمر والنهي، وراجعي أحوال تعين الأمر بالمعروف، ومتى يسقط، في الفتويين التاليتين: 197249 - 339061، وإحالاتهما.

وقولك: إنك لا تستطيعين القيام بهذا الواجب بسبب الخجل، فهذا ليس عذرا؛ لأن التغلب عليه ممكن بعون الله تعالى، واستشعار منافعه ومضار تركه، وراجعي الفتوى رقم: 227296.

ويحسن التنبيه هنا على أصل عظيم وهو: أن نصوص الوعيد على المحرمات، مقصودها بيان تحريم الفعل الذي رتب عليه الوعيد، لا أن كل من فعل ذلك المحرم، سيقع عليه الوعيد، قال شيخ الإسلام ابن تيميةثم حيث قدر قيام الموجب للوعيد, فإن الحكم يتخلف عنه لمانع. وموانع لحوق الوعيد متعددة:

منها: التوبة, ومنها: الاستغفار, ومنها: الحسنات الماحية للسيئات, ومنها: بلاء الدنيا ومصائبها, ومنها: شفاعة شفيع مطاع، ومنها: رحمة أرحم الراحمين.

فإذا عدمت هذه الأسباب كلها, ولن تعدم إلا في حق من عتا وتمرد، وشرد على الله شراد البعير على أهله, فهنالك يلحق الوعيد به؛ وذلك أن حقيقة الوعيد: بيان أن هذا العمل سبب في هذا العذاب, فيستفاد من ذلك تحريم الفعل وقبحه.

أما أن كل شخص قام به ذلك السبب, يجب وقوع ذلك المسبب به, فهذا باطل قطعا؛ لتوقف ذلك المسبب على وجود الشرط, وزوال جميع الموانع .اهـ.

ولعلك تشيرين في سؤالك إلى الحديث الذي أخرجه الترمذي عن حذيفة بن اليمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه، ثم تدعونه، فلا يستجاب لكم. وقال الترمذي: حديث حسن.

والظاهر أن المراد بعدم الإجابة ها هنا، هو إجابة الدعاء برفع العقاب الواقع بسبب فشو المنكر، وترك تغييره، جاء في شرح المصابيح لابن الملك: "ثم لتدعنه، فلا يستجاب لكم"؛ يعني: لو دعوتم الله في رفع ذلك العذاب، لا يستجاب لكم. اهـ.

وفي دليل الفالحين: (أن يبعث عليكم عقابا منه) بجور الولاة، أو تسليط العداة، أو غيره من البلاء، (ثم تدعونه) برفع ذلك، (فلا يستجاب لكم)؛ لكون الحكمة الإلهية جعلته جزاء لما فرطتم فيه من ترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. وفيه: أن المنكر إذا لم ينكر، عم شؤمه وبلاؤه فاعله وغيره. اهـ.

وفي إنجاح الحاجة على سنن ابن ماجه: أي: قبل أن ينزل عليكم البلاء بسبب المعاصي؛ لأن البلاء إذا نزل لا ينفع الدعاء حينئذ. اهـ.

ومن العلماء من رأى أن الحديث يشير إلى أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مانع من إجابة الدعاء -كما سيأتي في كلام ابن رجب-.

وعلى كل حال؛ فإن المعاصي عموما -ومنها: ترك إنكار المنكر عند تعينه-، لا شك أنها من موانع استجابة الدعاء، ولكن هذا لا يعني أبدا أن كل أدعية صاحب المعصية مردودة؛ فقد يكون للداعي المصر على المعصية من الأعمال الصالحة، أو صدق التضرع في الدعاء، أو غير ذلك، مما يبطل أثر المعصية في المنع من إجابة دعائه.

ثم إن مقصود النصوص التي فيها الوعيد على بعض المحرمات بعدم استجابة الدعاء، إنما هو التحذير من فعل تلك المحرمات، وليس المراد بها نهي من ارتكب تلك المحرمات عن دعاء الله وسؤاله! قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: وقوله صلى الله عليه وسلم: فأنى يستجاب لذلك!؟ معناه: كيف يستجاب له؟! فهو استفهام وقع على وجه التعجب والاستبعاد، وليس صريحا في استحالة الاستجابة، ومنعها بالكلية، فيؤخذ من هذا أن التوسع في الحرام، والتغذي به من جملة موانع الإجابة، وقد يوجد ما يمنع هذا المانع من منعه، وقد يكون ارتكاب المحرمات الفعلية مانعا من الإجابة أيضا، وكذلك ترك الواجبات، كما في الحديث أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يمنع استجابة دعاء الأخيار، وفعل الطاعات، يكون موجبا لاستجابة الدعاء. اهـ.

ويمكن الاستفادة من الاستشارة التالية في معالجة الخجل:

http://www.islamweb.net/consult/294286+&x=0&y=0  

 والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة