السؤال
إنني أدعو الله دائما بالرزق، وآخذ بالأسباب بالبحث عن عمل، وحصلت على عمل، لكنه مرهق جدا للبدن، ومتعب، والراتب لا يرضيني أبدا، فهو قليل جدا، فإذا لم أقبل بالعمل، فهل أنا لم آخذ بالأسباب؟ علما أنه لا يوجد عمل غير هذا العمل المتعب ذي الراتب القليل، وقد لا أجد عملا أبدا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فاعلم -وفقك الله- أن سعيك على كسب قوتك، وقوت من تلزمك نفقته من العبادات التي تتقرب إلى الله تعالى بها، فعن كعب بن عجرة قال: مر علي النبي صلى الله عليه وسلم، فرأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في جلدة ونشاطة، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كان خرج يسعى على ولده صغارا، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة، فهو في سبيل الشيطان. قال الهيثمي: رواه الطبراني في الثلاثة، ورجال الكبير رجال الصحيح. اهـ.
فمهما كان العمل شاقا، فإنك لو احتسبت أجر سعيك عند الله تعالى، فإن ذلك يهون عليك جدا.
والذي ننصحك به هو أن تستمر في هذا العمل، وأن تجتهد في البحث عن غيره مما هو أنسب منه.
وزعمك أنك قد لا تجد عملا، من الزعم المردود، بل أحسن ظنك بربك تعالى، واجتهد في السعي والبحث، ولا تترك هذا العمل الذي أكرمك الله به، وتقعد كلا على الناس، ففي الصحيح عن الزبير بن العوام -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأن يأخذ أحدكم أحبلا، فيأخذ حزمة من حطب فيبيع، فيكف الله به وجهه، خير من أن يسأل الناس أعطي أم منع. وأنت لو لم تعمل ذهبت تسأل الناس، وكنت كلا على غيرك، وهذا أشق على عزيز النفس بكثير مما تلقاه من الجهد في العمل، بل يخشى عليك من الإثم، إن تركت الاكتساب مع القدرة عليه، وذهبت تسأل الناس، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في فتح الباري في شرح حديث الزبير المتقدم: وفيه: الحض على التعفف عن المسألة، والتنزه عنها، ولو امتهن المرء نفسه في طلب الرزق، وارتكب المشقة في ذلك، ولولا قبح المسألة في نظر الشرع، لم يفضل ذلك عليها؛ وذلك لما يدخل على السائل من ذل السؤال، ومن ذل الرد إذا لم يعط، ولما يدخل على المسؤول من الضيق في ماله إن أعطى كل سائل.
وأما قوله: خير له، فليست بمعنى أفعل التفضيل؛ إذ لا خير في السؤال مع القدرة على الاكتساب، والأصح عند الشافعية أن سؤال من هذا حاله، حرام.
ويحتمل أن يكون المراد بالخير فيه بحسب اعتقاد السائل، وتسميته الذي يعطاه خيرا وهو في الحقيقة شر. انتهى.
والله أعلم.