العمدة في كون لغة آدم عليه السلام السريانية

0 176

السؤال

لقد اختار الله سبحانه وتعالى سيدنا محمدا عليه أفضل الصلاة والسلام، ليكون خاتم المرسلين والأنبياء. ولقد أنزل عليه القرآن الكريم ليكون الكتاب المقدس لكل العالم (العرب والعجم). ولقد شدد الله في أكثر من موضع في القرآن على أنه أنزل باللغة العربية: إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون (سورة يوسف الآية 2)، وكثير من المواضع الأخرى يطول ذكرها.
وكما هو معلوم أن الصلاة لا تقام ولا تصلى إلا باللغة العربية. لذا وعلى ما اعتقد، أن اللغة العربية هي اللغة الأم، أي هي اللغة التي تحدثها سيدنا آدم عليه السلام.
وهناك القصة المعروفة لسيدنا إبراهيم عندما خاطب زوجة سيدنا إسماعيل، وأوصاها بأن تقول لزوجها أن يغير عتبة بيته.
ومن المعلوم أن سيدنا إسماعيل تزوج من العرب، إذا فزوجته عربية، فالراجح أن سيدنا إبراهيم تحدث معها بالعربية، أي أن سيدنا إبراهيم تحدث العربية بطلاقة (وقد تحدث غيرها من اللغات) وربما كانت هي لغته الأم.
السؤال الذي أريد أن أصل له هو: على ماذا يعتمد من يقول بأن اللغة الأساسية هي السريانية، ولغة سيدنا آدم هي السريانية، وأنها لغة سيدنا إبراهيم الأم، مع أن اللغة العربية هي أغنى اللغات من جميع النواحي؟
والسؤال الآخر هو: أليس من الخطأ القول على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهل الجزيرة الذين ينحدر الرسول عليه الصلاة والسلام من سلالتهم، أنهم عرب مستعربة؟
مع العلم أن القرآن نزل على رسول الله "بلسان عربي مبين" والرسول عربي، ولم يقل الله إنه من المستعربة!؟
أرجو إفادتي بالأسانيد التي طلبتها، وأن يكون الجواب بناء على أسانيد موثوقة يتم ذكرها.
وبارك الله فيكم، وأثابكم على مجهوداتكم العظيمة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فنشكر لك تواصلك معنا، وننصحك بالحرص على السؤال عما ينفعك من العلم الشرعي الذي تحتاجه، أما أمثال ما سألت عنه من القضايا التاريخية التي لا يترتب عليه أمر شرعي؛ فلا ينبغي أن تكون محور اهتمامك.

ومركز الفتوى إنما يعنى ببيان الأحكام الشرعية، وإسعاف المستفتين بالإجابة على أسئلتهم الشرعية، التي يحتاجون إليها.

وما سألت عنه من اللسان الذي كان يتكلم به آدم عليه السلام، متعلق بمسألة مبدأ اللغات، وقد نص الأئمة على أنها مما لا يترتب عليها عمل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ... وأنها نظر محض ليس فيه عمل, كالكلام في مبدأ اللغات. اهـ.

 وعلى كل حال: فإن جمهور الأصوليين على أن آدم عليه السلام  قد علم أصول اللغات كلها -ومنها العربية-، كما تراه في الفتوى رقم: 203635، وإحالاتها.

وأما اللغة الأساسية التي كان يتحدث بها آدم، فالمشهور أنها السريانية، ومما يمكن أن يستدل به على ذلك: ما أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله؛ كم الأنبياء؟ قال: مائة ألف وعشرون ألفا. قلت: يا رسول الله؛ كم الرسل من ذلك؟ قال: ثلاث مائة وثلاثة عشر، جما غفيرا. قال: قلت: يا رسول الله؛ من كان أولهم؟ قال: آدم. قلت: يا رسول الله؛ أنبي مرسل؟ قال: نعم، خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلا. ثم قال: يا أبا ذر؛ أربعة سريانيون: آدم، وشيث، وأخنوخ -وهو إدريس، وهو أول من خط بالقلم- ونوح. وأربعة من العرب: هود، وشعيب، وصالح، ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم.

والسريانية كذلك هي لغة إبراهيم عليه السلام، كما هو منقول بالاستفاضة، وقد قيل: إن السريانية والعربية لغة واحدة، تبدلت بتبدل مساكن أهلها.  قال ابن حزمولا ندري أي لغة هي التي وقف آدم عليه السلام عليها أولا، إلا أننا نقطع على أنها أتم اللغات كلها، وأبينها عبارة، وأقلها إشكالا، وأشدها اختصارا، وأكثرها وقوع أسماء مختلفة على المسميات كلها المختلفة من كل ما في العالم من جوهر، أو عرض؛ لقول الله عز وجل: {وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين}، فهذا التأكيد يرفع الإشكال ويقطع الشغب فيما قلنا.

وقد قال قوم هي السريانية، وقال قوم هي اليونانية، وقال قوم هي العبرانية، وقال قوم هي العربية، -والله أعلم - إلا أن الذي وقفنا عليه وعلمناه يقينا أن السريانية والعبرانية والعربية -هي لغة مضر وربيعة، لا لغة حمير- لغة واحدة، تبدلت بتبدل مساكن أهلها، فحدث فيها [جرش[ كالذي يحدث من الأندلسي إذا رام نغمة أهل القيروان، ومن القيرواني إذا رام نغمة الأندلسي، ومن الخراساني إذا رام نغمتها. ونحن نجد من سمع لغة أهل فحص البلوط وهي على ليلة واحدة من قرطبة، كاد أن يقول إنها لغة أخرى غير لغة أهل قرطبة، وهكذا في كثير من البلاد فإنه بمجاورة أهل البلدة بأمة أخرى تتبدل لغتها تبديلا لا يخفى على من تأمله، فمن تدبر العربية والعبرانية السريانية أيقن أن اختلافهما إنما هو من نحو ما ذكرنا من تبديل ألفاظ الناس على طول الأزمان، واختلاف البلدان ومجاورة الأمم وأنها لغة واحدة في الأصل. وإذ تيقنا ذلك فالسريانية أصل للعربية وللعبرانية معا. والمستفيض أن أول من تكلم بهذه العربية إسماعيل -عليه السلام- فهي لغة ولده، والعبرانية لغة إسحاق ولغة ولده، والسريانية بلا شك هي لغة إبراهيم صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم، بنقل الاستفاضة الموجبة لصحة العلم، فالسريانية أصل لهما. اهـ. من الإحكام في أصول الأحكام.

وفي عمدة القاري للعينيوقال محمد بن جرير: إنما نطق إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالعبرانية حين عبر النهر فارا من النمرود، وقد كان النمرود قال للذين أرسلهم خلفه إذا وجدتم فتى يتكلم بالسريانية فردوه، فلما أدركوه استنطقوه؛ فحول الله لسانه عبرانيا، وذلك حين عبر النهر، فسميت العبرانية لذلك.

وكان آدم عليه الصلاة والسلام يتكلم باللغة السريانية، وكذلك أولاده من الأنبياء وغيرهم، غير أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام حولت لغته إلى العبرانية حين عبر النهر أي الفرات كما ذكرنا، وغير ابنه إسماعيل عليه الصلاة والسلام، فإنه كان يتكلم باللغة العربية فقيل لأن أول من وضع الكتاب العربي والسرياني والكتب كلها آدم عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كان يعلم سائر اللغات وكتبها في الطين وطبخه، فلما أصاب الأرض الغرق أصاب كل قوم كتابهم فكان إسماعيل عليه الصلاة والسلام أصاب كتاب العرب، وقيل تعلم إسماعيل عليه الصلاة والسلام لغة العرب من جرهم حين تزوج امرأة منهم، ولهذا يعدونه من العرب المستعربة لا العاربة، وقيل كان آدم عليه الصلاة والسلام يتكلم باللغة العربية، فلما نزل إلى الأرض حولت لغته إلى السريانية، وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- لما تاب الله عليه رد عليه العربية. اهـ. باختصار.

وفي فيض القدير للمناوي: (آدم) أبو البشر من أديم الأرض أي ظاهر وجهها، سمي به لخلقه منه أو من الأدمة وهي السمرة، قيل اشتقاقه يؤيد أنه عربي. ومنع بأن توافق اللغتين غير ممتنع، وبأنه لا دلالة على أن الاشتقاق من خواص كلام العرب. ورد بأن الأصل عدم التوافق واطراد الاشتقاق، وهو وإن صح تكلمه بكل لسان، لكن الغالب بالسرياني كما تدل عليه أسامي أولاده. اهـ.

وراجع للفائدة الفتويين التاليتين: 101747 //  185653.

ونعتذر عن النظر في سؤالك الآخر؛ لأننا بينا في خانة إدخال الأسئلة أنه لا يسمح إلا بإرسال سؤال واحد فقط في المساحة المعدة لذلك، وأن الرسالة التي تحوي أكثر من سؤال، سيتم الإجابة عن السؤال الأول منها، وإهمال بقية الأسئلة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات