معنى قول الله تعالى: "وهو خير الرازقين"

0 85

السؤال

يقول الله عز وجل: {وهو خير الرازقين}، فهل يعني أن الله يرزق، والعبد يرزق، ولكن رزق الله ليس كرزق العباد؟ ولكني لا أعلم ما معنى أن العبد يرزق! فإذا أعطى إنسان إنسانا مالا أو طعاما فهل نقول: إن هذا العبد يرزق أخاه المسلم -بإذن الله- أم ماذا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالعبد تصح نسبة الرزق إليه، كما في قوله تعالى: وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا {النساء:5}.

فالرزق لغة: يطلق على العطاء، قال الشيخ رشيد رضا في المنار: وارزقوهم: من الرزق، وهو العطاء من الأشياء الحسية، والمعنوية، ويطلق على النصيب من الشيء، وقد يخص بالطعام، قيل: وهو الظاهر هنا؛ لمقابلته بالكسوة، كما قال في آية المرضعات: وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف [2: 233]، وقد يقال: إنه أعم في الموضعين. انتهى.

وإذا علمت هذا؛ تبين لك وجه وصف الله بكونه خير الرازقين؛ وذلك لأن البشر يرزقون بحسبهم، وهم أسباب في سوق الرزق إلى من شاء الله تعالى، لا أنهم مستقلون بجلبه، أو سوقه لمن شاؤوا، فالله خير الرازقين؛ لكونه سبحانه يرزق من غير ملاحظة عوض، ولكونه سبحانه خالق الأسباب ومسبباتها، فما من رازق يرزق من المخلوقين إلا والله خالقه وخالق الرزق الذي يسوقه على يديه لمن شاء، قال أبو السعود: {وهو خير الرازقين} {المؤمنون:72}، فإن غيره واسطة في إيصال رزقه، لا حقيقة لرازقيته. انتهى.

وقال الألوسي: {وارزقنا وأنت خير الرازقين} {المائدة:114}: أي: خير من يرزق؛ لأنه خالق الرزق، ومعطيه، بلا ملاحظة عوض. انتهى.

على أنه قد قرر بعض أهل العلم أنه لا ينبغي تسمية المخلوق رازقا، وإطلاق ذلك عليه؛ لما فيه من الإيهام بخلاف نسبة الفعل إليه، فهذا أيسر، قال الألوسي: {وإن الله لهو خير الرازقين}، فإنه جل وعلا يرزق بغير حساب، مع أن ما يرزقه قد لا يقدر عليه أحد غيره سبحانه، وأن غيره تعالى إنما يرزق مما رزقه هو جل شأنه، واستدل بذلك على أنه قد يقال لغيره تعالى رازق، والمراد به معطي، والأولى عندي أن لا يطلق رازق على غيره تعالى، وأن لا يتجاوز عما ورد.

وأما إسناد الفعل إلى غيره تعالى، كرزق الأمير الجندي، وأرزق فلانا من كذا، فهو أهون من إطلاق رازق، ولعله مما لا بأس به، وصرح الراغب بأن الرزاق لا يقال إلا لله تعالى. انتهى.

وهنالك منحى آخر في معنى اسم التفضيل، حيث تعلق بصفات الله تعالى، وهو أن المفاضلة التي يقتضيها معنى هذه الصيغة؛ إنما هي في هذا الباب، بالنسبة إلى عادة المخلوقين في التخاطب، أو على حسب توهمهم العادي، أو ادعائهم، يقول الشاطبي في المقاصد الشافية شرح ألفية ابن مالك -رحمهم الله تعالى-: فأما المفاضلة فيما يرجع إلى الله تعالى؛ فهي بالنسبة إلى عادة المخلوقين في التخاطب، وعلى حسب توهمهم العادي، فقوله: (الله أكبر) معنى ذلك: أكبر من كل شيء يتوهم له كبر، أو على حسب ما اعتادوه في المفاضلة بين المخلوقين، وإن كان كبرياء الله تعالى لا نسبة لها إلى كبر المخلوق.

وكذلك قوله: {وهو أهون عليه}، يريد: على نحو ما جرت به عادتكم، أن إعادة ما تقدم اختراعه أسهل من اختراعه ابتداء.

وقوله: {هو أعلم بكم} أي: منكم، حيث تتوهمون أن لكم علما، ولله تعالى علما، أو على حد ما تقولون: هذا أعلم من هذا.

وهي طريقة العرب في كلامها، وبها نزل القرآن، فخوطبوا بمقتضى كلامهم، وبما يعتادون فيما بينهم. انتهى.

وذكر الشاطبي أن سيبويه قد بين هذا في كتابه حيث احتاج إليه، وهذا منحى حسن، يخلص من إشكالات، وإيرادات كثيرة عند من ليس له باع واسع في لغة العرب، وأساليبهم في الكلام.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة