السؤال
أقف عند مفترق طرق، ويجب أن أختار بين طريقين، وأنا محتار جدا. هل كتب الله لنا في أي بلد نعيش؟ وهل الرزق مكتوب ومرتبط بمكان معين؟
محتار إما أن أبقى في بلدي، أو أسافر إلى بلد آخر للعمل، مع العلم أن شروط البلد الآخر أفضل، لكني أجد صعوبة في ترك الأهل والسفر.
أعاني من صعوبة القرار منذ ثلاثة أشهر! ولا أعلم هل هذا أمر مكتوب، أم نحن من نقرر أين نسكن وأين نعيش؟
أخاف أن أختار القرار الخطأ.
أرجو المساعدة، وشكرا لكم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكل ما يجري للإنسان قد سبق به علم الله تعالى، وجرى به القلم في اللوح المحفوظ قبل خلق الخلق، كما قال تعالى: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا (التوبة: 51) وقال عز وجل: إنا كل شيء خلقناه بقدر (القمر:49) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب، قال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة. رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. رواه مسلم.
ومن جملة هذا القدر المكتوب: الرزق وأسبابه، ووقته ومقداره، ومكانه وكيفيته. والله تعالى إذا أراد شيئا هيأ له أسبابه، وربطها بالأمر المقدر، كما يشير إليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قضى الله لعبد أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة. رواه أحمد والترمذي وقال: صحيح. وصححه الألباني. قال المظهري في شرح المصابيح: يعني: إذا كان الرجل في بلدة، وقدر أن يموت في بلد آخر أوقع الله تعالى في قلبه ميلا إلى قصد ذلك البلد، أو أظهر له إليه حاجة من تجارة أو زيارة أو ما أشبه ذلك؛ ليأتي ذلك البلد ليموت فيه؛ يعني: كل شيء يكون كما قدره الله تعالى، لا يقدر أحد أن يغيره. اهـ.
فهون عليك الأمر، ولتطب نفسا؛ فكل إنسان لابد أن يستوفي رزقه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها. رواه أبو نعيم، وصححه الألباني. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: لو فر أحدكم من رزقه؛ أدركه كما يدركه الموت. قال المنذري: رواه الطبراني في الأوسط والصغير بإسناد حسن. اهـ. وحسنه الألباني.
والتسليم والإيمان بالقضاء والقدر، لا يتعارض مع تخطيط المرء لأموره، وتفكيره وحرصه على ما ينفعه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا. ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان. رواه مسلم.
وأما الحيرة التي يشكو منها السائل، فهي أمر متوقع، طالما وقع المرء بين خيارين، لكل منهما محاسنه ومساوئه. فعليك أن توازن بين المساوئ والمحاسن، وبين المصالح والمفاسد، لتختار الأكثر في المحاسن، وإن وجدت فيه بعض المساوئ، وتقدم الأقل في المساوئ، وإن وجدت فيه بعض المحاسن، ولتستعن على ذلك بمشاورة أهل الرأي والحكمة من معارفك،. وقبل ذلك ومعه عليك بالاستخارة؛ فإنها أنفع شيء لك. وانظر للفائدة الفتويين: 70791، 315133.
والله أعلم.