السؤال
هل يعتبر المعالجون بالقرآن في جهادهم للجن الكافر في إخراجه من الجسد وفك السحر وما إلى ذلك هل يعتبرون من المجاهدين في سبيل الله تعالى؟ وهل يأخذون أجر الشهيد إذا مات بسبب تلك الحروب؟؟
هل يعتبر المعالجون بالقرآن في جهادهم للجن الكافر في إخراجه من الجسد وفك السحر وما إلى ذلك هل يعتبرون من المجاهدين في سبيل الله تعالى؟ وهل يأخذون أجر الشهيد إذا مات بسبب تلك الحروب؟؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، في مجموع الفتاوى 19/ 56 وهو يتكلم عن مشروعية رقية المرضى بالجن والصرع، وأن من فعل ذلك محتسبا، فهو في عداد المجاهدين، قال: السائل هل هذا مشروع؟ فهذا من أفضل الأعمال، وهو من أعمال الأنبياء والصالحين، فإنه ما زال الأنبياء والصالحون يدفعون الشياطين عن بني آدم بما أمر الله به ورسوله، كما كان المسيح يفعل ذلك، وكما كان نبينا يفعل ذلك، فقد روى أحمد في مسنده و أبو داود في سننه من حديث مطر بن عبد الرحمن الأعنق قال: حدثتني أم أبان بنت الوازع بن زارع بن عامر العبدي عن أبيها أن جدها الزارع انطلق إلى رسول الله فانطلق معه بابن له مجنون أو ابن أخت له، قال جدي: فلما قدمنا على رسول الله قلت: إن معي ابنا لي أو ابن أخت لي مجنون، أتيتك به تدعو الله له، قال ائتني به، قال: فانطلقت به إليه وهو في الركاب، فأطلقت عنه وألقيت عنه ثياب السفر وألبسته ثوبين حسنين، وأخذت بيده حتى انتهيت به إلى رسول الله فقال: أدنه مني، اجعل ظهره مما يليني، قال بمجامع ثوبه من أعلاه وأسفله، فجعل يضرب ظهره حتى رأيت بياض إبطيه ويقول: (اخرج عدو الله، اخرج عدو الله) فأقبل ينظر نظر الصحيح ليس بنظره الأول، ثم أقعده رسول الله بين يديه، فدعا له بماء فمسح وجهه ودعا له، فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول الله يفضل عليه. اهـ. ويبين أن من قتل وهو يدفع عن نفسه أو إخوانه المسلمين، فهو شهيد، فقال رحمه الله في نفس الموطن السابق: وإذا برئ المصاب بالدعاء والذكر وأمر الجن ونهيهم وانتهارهم وسبهم ولعنهم ونحو ذلك من الكلام، حصل المقصود، وإن كان ذلك يتضمن مرض طائفة من الجن أو موتهم، فهم الظالمون لأنفسهم إذا كان الراقي الداعي المعالج لم يتعد عليهم كما يتعدى عليهم كثير من أهل العزائم، فيأمرون بقتل من لا يجوز قتله، وقد يحبسون من لا يحتاج إلى حبسه، ولهذا قد تقاتلهم الجن على ذلك، ففيهم من تقتله الجن أو تمرضه، وفيهم من يفعل ذلك بأهله وأولاده أو دوابه. وأما من سلك في دفع عداوتهم مسلك العدل الذي أمر الله به ورسوله، فإنه لم يظلمهم، بل هو مطيع لله ورسوله في نصر المظلوم وإغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب بالطريق الشرعي التي ليس فيها شرك بالخالق ولا ظلم للمخلوق، ومثل هذا لا تؤذيه الجن، إما لمعرفتهم بأنه عادل وإما لعجزهم عنه، وإن كان الجن من العفاريت وهو ضعيف، فقد تؤذيه، فينبغي لمثل هذا أن يحترز بقراءة العوذ مثل آية الكرسي والمعوذات والصلاة والدعاء ونحو ذلك مما يقوي الإيمان ويجنب الذنوب التي بها يسلطون عليه، فإنه مجاهد في سبيل الله، وهذا من أعظم الجهاد، فليحذر أن ينصر العدو عليه بذنوبه، وإن كان الأمر فوق قدرته، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فلا يتعرض من البلاء لما لا يطيق، ثم قال: والصائل المعتدي يستحق دفعه، سواء كان مسلما أو كافرا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد. فإذا كان المظلوم له أن يدفع عن مال المظلوم ولو بقتل الصائل العادي، فكيف لا يدفع عن عقله وبدنه وحرمته؟! فإن الشيطان يفسد عقله ويعاقبه في بدنه، وقد يفعل معه فاحشة إنسي بإنسي، وإن لم يندفع إلا بالقتل جاز قتله. وأما إسلام -أي إلقاؤه إلى الهلكة- صاحبه والتخلي عنه، فهو مثل إسلام أمثاله من المظلومين، وهذا فرض على الكفاية مع القدرة، ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: المسلم أخو المسلم، لا يسلمه ولا يظلمه. فإن كان عاجزا عن ذلك أو هو مشغول بما هو أوجب منه أو قام به غيره ، لم يجب، وإن كان قادرا وقد تعين عليه، ولا يشغله عما هو أوجب منه، وجب عليه. اهـ. ونسأل الله لمن مات بسبب ما ذكر أن يكون شهيدا، وأما أحكام الشهادة في الدنيا، فلا تجري عليه، بل يغسل ويكفن ويصلى عليه، وحكمه حكم من قتل وهو يدافع عن نفسه أو عرضه. والله أعلم.