السؤال
طلق أبي أمي، فرفضت أمي التكفل بي أنا وأخي الصغير، فأودعتنا عند أبي الذي كان يعيش وحده بعد الطلاق، وعندما تزوج لم تردنا امرأته، فرمانا في الشارع؛ رغم أنه رجل غني، يمتلك عدة منازل، فذهبنا عند رجل نعرفه، وتكفل بنا، وربانا أحسن تربية، ربانا على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ونحن منذ قدومنا إليه إلى الآن نصلي صلاة الفجر في جماعة؛ رغم أنه يتصارع مع الزمن؛ ليوفر لنا كتب الدراسة والأكل، فكنا نحس أنه أبونا، وأمنا، وعائلتنا، وكل شيء، فما هو حقه علينا؟ هل يعد مثل الأب والأم؟ أم أكثر؟ علما أن أبي وأمي حتى الآن لا يريدان رؤيتنا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته يعتبر من غريب الأمور، ومن عجيب التصرفات، وهو أغرب للخيال منه إلى الواقع؛ أن يتخلى كل من الأم والأب عن الأبناء، والغالب في الآباء والأمهات الشفقة على أولادهم، والحرص على كل ما فيه مصلحتهم -نسأل الله العافية، والسلامة-.
والأولاد أمانة عند الوالدين، يسألان عنها أمام الله تعالى يوم القيامة، قال تعالى: يوصيكم الله في أولادكم {النساء:11}، قال السعدي: أي: أولادكم - يا معشر الوالدين- عندكم ودائع، قد وصاكم الله عليهم؛ لتقوموا بمصالحهم الدينية والدنيوية، فتعلمونهم، وتؤدبونهم، وتكفونهم عن المفاسد، وتأمرونهم بطاعة الله، وملازمة التقوى على الدوام، كما قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة. فالأولاد عند والديهم موصى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية، وإما أن يضيعوها، فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب. اهـ.
وقال صلى الله عليه وسلم: ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم... الحديث. رواه البخاري، ومسلم.
ولقد حذر نبينا صلى الله عليه وسلم الراعي من تضييع رعيته، فقال: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة. رواه البخاري، ومسلم.
وقد أحسن هذا الرجل برعايته لكما، وقام بعمل جليل، وقربة من أعظم القربات، فجزاه الله خيرا، قال تعالى: إن الله لا يضيع أجر المحسنين {التوبة:120}.
وينبغي أن تحفظا له هذا الفضل، ولا تنسيا له هذا الجميل، واعملا على مجازاته عليه خيرا بالدعاء له، وإيصال ما يمكن من الخير إليه، فلا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل.
وحق الوالدين: برهما، والإحسان إليهما، وهو حق واجب لهما على كل حال؛ فهما سبب وجود ولدهما في هذه الحياة؛ ولذلك قرن الله تعالى حقهما بحقه، وأمر بالإحسان إليهما، ولو مع إساءتهما، فقال: ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير * وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا {لقمان:14-15}.
وقد عقد البخاري في كتابه الأدب المفرد بابا أسماه: باب بر والديه وإن ظلما ـ وأورد تحته أثرا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ما من مسلم له والدان مسلمان، يصبح إليهما محتسبا، إلا فتح له الله بابين ـ يعني: من الجنة ـ وإن كان واحدا فواحد، وإن أغضب أحدهما، لم يرض الله عنه حتى يرضى عنه, قيل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه.
وينبغي أن يسلط الفضلاء من الناس على هذين الوالدين؛ ليبذلوا لهما النصح، ويذكرا بهذه الأمانة التي ضيعاها، وأن ذلك ربما كانت عاقبته الندامة في الدنيا، والآخرة.
والله أعلم.