السؤال
لماذا يتم إخبارنا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان فقيرا، وتوفي فقيرا، وقد رهن درعه عند يهودي. مع أنه كان متزوجا من السيدة خديجة، والتي كانت من الأثرياء؟
لماذا يتم إخبارنا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان فقيرا، وتوفي فقيرا، وقد رهن درعه عند يهودي. مع أنه كان متزوجا من السيدة خديجة، والتي كانت من الأثرياء؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان فقيرا، فأغناه الله تعالى، كما قال جل اسمه: ووجدك عائلا فأغنى {الضحى:8}.
قال العلامة الألوسي في تفسيرها: وقوله تعالى: ووجدك عائلا فأغنى: على نمط سابق، والعائل المفتقر، من عال يعيل عيلا وعيلة وعيولا ومعيلا: افتقر. أي وجدك عديم المقتنيات، فأغناك بما حصل لك من ربح التجارة، وذلك في سفره صلى الله عليه وسلم مع ميسرة إلى الشام، وبما وهبته لك خديجة -رضي الله تعالى عنها- من المال، وكانت ذا مال كثير. فلما تزوجها عليه الصلاة والسلام، وهبته جميعه له صلى الله عليه وسلم؛ لئلا يقول قائل ما يثقل على سمعه الشريف عليه الصلاة والسلام. وبمال أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- وكان أيضا ذا مال، فأتى به كله رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: ما تركت لعيالك؟ فقال: تركت الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وقيل: بما أفاء عليك من الغنائم، وفيه أن السورة مكية، والغنائم إنما كانت بعد الهجرة. وقيل: المراد قنعك وأغنى قبلك؛ فإن غنى القلب هو الغنى. وقد قيل: من عدم القناعة لم يفده المال غنى.
وقيل: أغناك به عز وجل عما سواه، وهذا الغنى بالافتقار إليه تعالى. انتهى.
وقد أغناه سبحانه بجميع أنواع الغنى، وأعظم ذلك غنى النفس، فقد كان صلى الله عليه وسلم أغنى الناس نفسا، وأقنعهم بما آتاه الله تعالى، كما أغناه بمال زوجه خديجة، ثم بما ملكه من حقه في الفيء صلى الله عليه وسلم، ولو شاء صلوات الله عليه أن تكون له الجبال ذهبا لفعل الله له ذلك، ولكنه أبى إلا أن يبذل ما جاءه من الدنيا في مرضات الله تعالى، ولا يبقي منها لنفسه وأهله إلا قدر كفايتهم.
ولذا فمع أن له الحق في الخمس -وليس هو بالقليل- فقد مات ودرعه مرهونة عند يهودي في آصع من شعير، كما ثبت في الصحيح، وذلك كله لأنه كان يبذل ما يأتيه من الدنيا في مرضات الله تعالى، ويقنع بالكفاف ويرضى لنفسه ولأهله باليسير صلوات الله وسلامه عليه.
فلا تعارض بين ما ذكرته من كونه صلى الله عليه وسلم كان غنيا بمال خديجة، بل وبحقه من الفيء، وبين كونه صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي؛ لما بيناه لك من إيثاره صلى الله عليه وسلم الآخرة على الأولى، ورغبته عن الدنيا وما فيها.
يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: وقد عرضت الدنيا على النبي بحذافيرها، وتعرضت له، فدفع في صدرها باليدين، وردها على عقبيها. اهـ.
والله أعلم.