السؤال
أسكن في منزل مستأجر، لا أعلم صاحبه، فهو قد هاجر، وترك البلاد منذ 55 سنة، ولا يوجد وسيلة للاتصال به، فهل يحل لي تأجيره، والاستفادة من إيجاره؟
أسكن في منزل مستأجر، لا أعلم صاحبه، فهو قد هاجر، وترك البلاد منذ 55 سنة، ولا يوجد وسيلة للاتصال به، فهل يحل لي تأجيره، والاستفادة من إيجاره؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا يحل لك ذلك! بل قيمة الأجرة المستحقة أمانة عندك تحفظها على صاحبها، ما لم تيأس من حياته ومعرفته.
فإذا يئست؛ فترد المنزل، وأجرته إلى ورثة صاحبه، إن وجدوا، وإلا فتعامله معاملة الوديعة، فيما يظهر لنا، فإن جمهور الفقهاء لا يشترطون في الوديعة أن تكون مما يمكن نقله، فتصح عندهم أن تكون العين المودعة عقارا، أو منقولا.
والوديعة تحفظ لصاحبها؛ حتى ييأس من حياته، فتدفع لوارثه.
فإن لم يوجد، أو لم يعرف، فسبيلها سبيل الأموال العامة، فتدفع للحاكم إن كان عادلا، وإلا قام الوديع نفسه فيها بما يقوم به الإمام العادل من صرفها في مصالح المسلمين، فقد سئل العز بن عبد السلام (كما في فتاويه ص 51) عن: شخص عنده وديعة من مدة مديدة، وما يعلم صاحبها أين هو، ولا من هو، ولا سبيل له إلى ذلك، فما الذي يخلصه في هذا الوقت الذي لا يجد فيه من يقوم بالواجب بكل الأمور؟ أيجوز له صرفها إلى الفقراء؟ أو على الحاكم وهو يرجو طريقا تخلصه؟
فأجاب - رحمه الله -: إذا يئس من معرفة مالك الوديعة بعد البحث التام، فليصرفها في أهم مصالح المسلمين فأهمها، وليقدم أهل الضرورة، ومسيس الحاجة على غيرهم، ولا يبني من ذلك مسجدا، ولا يصرفها إلا فيما يجب على الإمام العادل صرفها فيه، فإن جهل ذلك، فليسأل عن أورع العلماء وأعرفهم بالمصالح الواجبة التقديم. اهـ.
وقال في موضع آخر من فتاويه (ص117): إن جهلوا بحيث تعذر معرفتهم، ويئس منها، فقد صار لمصالح المسلمين العامة، فيصرفه من هو في يده فيها، مبتدئا بما تجب البداية به في مثله، وينزل نفسه فيه منزلة الإمام العادل، فيلزمه أن يصرفه في أهم المصالح التي يصرف الإمام مثله فيها أهمها فأهمها، ولا يحل له غير ذلك إلا أن يكون متولي أمور المسلمين عادلا عالما بكتاب الله تعالى، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيلزمه أن يدفعه إليه ليقوم الإمام بما وظفه الله تعالى عليه فيه، وإن توقعنا معرفة الوارث ومراجعته وجب حفظه إلى أن يظهر فيراجع فيه، فإن يئس من ظهوره، فيرجع إلى المصالح العامة. اهـ.
وقال الرملي في نهاية المحتاج: والحاصل: أن هذا مال ضائع، فمتى لم ييأس من مالكه، أمسكه له أبدا، مع التعريف، أو أعطاه للقاضي، فيحفظه له كذلك، ومتى أيس منه، أي: بأن يبعد عادة وجوده فيما يظهر، صار من جملة أموال بيت المال، كما مر في إحياء الموات، فيصرفه في مصارفها من هو تحت يده. اهـ.
والله أعلم.