السؤال
أود أن توضحوا لي معنى الآيتين، وعلامة كون السيئة من الله، أو من النفس، وكيف الجمع بينهما في قوله تعالى: {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ۗ وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله ۖ وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك ۚ قل كل من عند الله ۖ فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا (78) ما أصابك من حسنة فمن الله ۖ وما أصابك من سيئة فمن نفسك ۚ وأرسلناك للناس رسولا ۚ وكفى بالله شهيدا (79)} [النساء]
وجزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فالمراد بكون الحسنة والسيئة من عند الله في قوله تعالى: قل كل من عند الله {النساء:78}، أي أن كليهما مقدر من الله، فالله تعالى علم الحسنة والسيئة، وكتبهما في اللوح المحفوظ، وخلقهما، وشاءهما، وهذا هو القدر، كما في قوله تعالى: وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله {آل عمران:166}، أي بقضاء الله وقدره وعلمه.
وأما كون الحسنة من الله، والسيئة من نفسك في الآية الأخرى، فالمعنى أن الحسنة فضل من الله تعالى عليك أيها الإنسان؛ كقوله تعالى: وما بكم من نعمة فمن الله {النحل:53}. وأما السيئة فبسبب معصيتك أيها الإنسان؛ كما قال تعالى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم {الشورى:30}، وقال: وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم {الروم:36}
قال الشنقيطي صاحب أضواء البيان:
معنى قوله: وإن تصبهم حسنة أي مطر وخصب وأرزاق وعافية يقولوا هذا أكرمنا الله به، وإن تصبهم سيئة أي جدب وقحط وفقر وأمراض، يقولوا هذه من عندك، أي من شؤمك يا محمد وشؤم ما جئت به. قل لهم: كل ذلك من الله، ومعلوم أن الله هو الذي يأتي بالمطر والرزق والعافية، كما أنه يأتي بالجدب والقحط والفقر والأمراض والبلايا، ونظير هذه الآية قول الله في فرعون وقومه مع موسى: وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه [7 131] . وقوله تعالى في قوم صالح مع صالح: قالوا اطيرنا بك وبمن معك الآية [27 47] ، وقول أصحاب القرية للرسل الذين أرسلوا إليهم: قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم الآية [36 18] . وأما قوله: ما أصابك من حسنة فمن الله أي لأنه هو المتفضل بكل نعمة، وما أصابك من سيئة فمن نفسك أي من قبلك ومن قبل عملك أنت؛ إذ لا تصيب الإنسان سيئة إلا بما كسبت يداه، كما قال تعالى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير [42] . اهـــ.
والله تعالى أعلم.