مسائل في كفارة إطعام المساكين والتبرع بها لجهة تقوم بها

0 44

السؤال

علي كفارة إطعام 60 مسكينا، وأريد أن أعرف أماكن التبرع بها، ولو أردت أن أتبرع لبنك الطعام، فبكم أتبرع؟ أنا مصري ولا بد أن أتأكد أن جميع المساكين وصلهم الطعام وأكلوا منه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فاعلم أولا أن إطعام المساكين الستين إنما يجب في كفارة الظهار وكفارة الجماع في نهار رمضان، وهو إنما يجب بعد العجز عن صيام شهرين متتابعين، فإن كنت قادرا على صيام شهرين متتابعين لم يجزئك الإطعام أصلا، وإن عجزت عن صيام الشهرين وأردت إطعام ستين مسكينا، فإن أماكن ذلك حيث يوجد المساكين، فابحث عن عدد من الأسر يبلغ مجموع أفرادها ستين، وأعطهم ما يجب لهم، والقدر الواجب مختلف فيه، فقال الشافعية والمالكية هو مد من طعام لكل مسكين وهو ما يساوي 750 جراما تقريبا، وقالت الحنابلة الواجب مد من قمح أو نصف صاع من غيره، ونصف الصاع هو كيلو ونصف تقريبا، وهذا أحوط.

قال ابن قدامة في المغني: واختلفوا في قدر ما يطعم كل مسكين، فذهب أحمد إلى أن لكل مسكين مد بر، وذلك خمسة عشر صاعا، أو نصف صاع من تمر، أو شعير، فيكون الجميع ثلاثين صاعا. وقال أبو حنيفة: من البر لكل مسكين نصف صاع، ومن غيره صاع؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث سلمة بن صخر: فأطعم وسقا من تمر . رواه أبو داود. وقال أبو هريرة: يطعم مدا من أي الأنواع شاء. وبهذا قال عطاء، والأوزاعي، والشافعي؛ لما روى أبو هريرة، في حديث المجامع، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بمكتل من تمر، قدره خمسة عشر صاعا، فقال: خذ هذا، فأطعمه عنك . رواه أبو داود.

ولنا ما روى أحمد، حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب، عن أبي يزيد المدني قال: جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق شعير، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمظاهر: أطعم هذا، فإن مدي شعير مكان مد بر. ولأن فدية الأذى نصف صاع من التمر والشعير، بلا خلاف، فكذا هذا. والمد من البر يقوم مقام نصف صاع من غيره، بدليل حديثنا، ولأن الإجزاء بمد منه قول ابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، وزيد ولا مخالف لهم في الصحابة. وأما حديث سلمة بن صخر، فقد اختلف فيه، وحديث أصحاب الشافعي يجوز أن يكون الذي أتي به النبي - صلى الله عليه وسلم - قاصرا عن الواجب، فاجتزئ به لعجز المكفر عما سواه. انتهى.

فإذا وجدت عائلة من المساكين فيها عشرة أفراد فأعطهم خمسة عشر كيلو مثلا، وهكذا حتى تستوعب الستين بتمليكهم ما يجب لهم من الطعام، ويجوز التوكيل في الدفع للمساكين، فإن كان بنك الطعام المذكور سيقوم بتطلب المساكين الستين والدفع لهم جاز توكيله في ذلك، وأما مجرد الدفع إليه من غير أن يكون يعطي المساكين فلا يجزئ، ولا بد عند الجمهور من استيعاب المساكين الستين خلافا للحنفية، ولا يلزم أن يأكلوا من الطعام وإنما يلزم تمليكهم إياه.

والصغير في الأسرة معدود من جملة المساكين ويقبض له وليه، قال ابن قدامة في المغني: ويجوز صرفها إلى الكبير، والصغير، إن كان ممن يأكل الطعام. وإذا أراد صرفه إلى الصغير، فإنه يدفعه إلى وليه، يقبض له؛ فإن الصغير لا يصح منه القبض. فأما من لا يأكل الطعام، فظاهر كلام الخرقي أنه لا يجوز الدفع إليه؛ لأنه لا يأكله، فيكون بمنزلة دفع القيمة. وقال أبو الخطاب: يجزئ؛ لأنه مسكين يدفع إليه من الزكاة، فأشبه الكبير. انتهى.

ولا تجزئ القيمة هنا ولا في شيء من الكفارات عند الجمهور خلافا للحنفية، ويجوز أن تجمع المساكين الستين فتغديهم أو تعشيهم في قول كثير من أهل العلم وهو إحدى الروايتين عن أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قال المرداوي في الإنصاف: قوله: (وإن أخرج القيمة أو غدى المساكين أو عشاهم: لم يجزئه)، هذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب... وعنه يجزئه إذا كان قدر الواجب، واختار الشيخ تقي الدين -رحمه الله- الإجزاء، ولم يعتبر القدر الواجب، وهو ظاهر نقل أبي داود، وغيره، فإنه قال: "أشبعهم" قال: "ما أطعمهم؟" قال: "خبزا ولحما إن قدرت، أو من أوسط طعامكم. انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ: يتبين أن ما يجب بذله في هذه الأمور ينقسم إلى ثلاثة أقسام هي: القسم الأول: ما قدر فيه المدفوع بقطع النظر عن الدافع، وعن المدفوع إليه، مثل زكاة الفطر، فالمقدر فيها صاع، سواء أعطيتها واحدا أو جماعة، أو أعطاها جماعة لواحد، أو أعطاها واحد لواحد، أو أعطاها جماعة لجماعة؛ لأنه مقدر فيها ما يجب دفعه، وهذا بالاتفاق فيما أعلم. القسم الثاني: ما قدر فيه المدفوع والمدفوع إليه، كما هي الحال في فدية الأذى، وهي فدية حلق الرأس في الإحرام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة ـ رضي الله عنه ـ: أطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع وعلى هذا؛ فلا بد أن نخرج نصف صاع لكل واحد من الستة المساكين. القسم الثالث: ما قدر فيه الآخذ المعطى دون المدفوع، مثل: كفارة اليمين، وكفارة الظهار، وكفارة الجماع في نهار رمضان، {فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة} [المائدة: 89].

وبناء على ذلك نقول للمكفر فيها: أطعم مسكينا ما شئت حتى ولو كان مدا من بر. ويجوز في هذا القسم أن يغدي المساكين أو يعشيهم؛ لأن الله ذكر الإطعام، ولم يذكر مقداره، فمتى حصل الإطعام بأي صفة كانت أجزأ.

وقال أيضا: فالصواب في هذه المسألة: أنه إذا غداهم أو عشاهم أجزأه؛ لأن الله عز وجل قال: {فإطعام ستين مسكينا} ولم يذكر قدرا، ولم يذكر جنسا، فما يسمى إطعاما فإنه يجزئ. وبناء على ذلك؛ فإذا غداهم أو عشاهم أجزأه، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، ويدل له أن أنس بن مالك -رضي الله عنه- لما كبر وعجز عن صيام رمضان، صار في آخره يدعو ثلاثين مسكينا، ويطعمهم خبزا وأدما عن الصيام مع أن الله قال: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} [البقرة: 184] وهذا تفسير صحابي لإطعام المسكين بفعله. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة