السؤال
ما هو الإصر ؟ وهل كان هذا قبل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المراد بالإصر: الشرائع الشديدة والتكاليف الشاقة التي كانت مفروضة على بني إسرائيل، وضعها الله عن هذه الأمة، ولم يشرعها في شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كرامة له ولأمته.
قال الله سبحانه: الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون {الأعراف:157}،
وقوله سبحانه: ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم: الضمير في (عليهم) عائد على بني إسرائيل، فالآصار التي كانت على بني إسرائيل لم توضع على هذه الأمة قط، فضلا من الله ورحمة.
وأما معنى الإصر -على الراجح-: فهو التشديدات التي كانت في دين بني إسرائيل.
قال ابن الجوزي في زاد المسير: قوله تعالى: ويضع عنهم إصرهم، قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي إصرهم، وقرأ ابن عامر آصارهم ممدودة الألف على الجمع، وفي هذا الإصر قولان: أحدهما: أنه العهد الذي أخذ الله على بني إسرائيل أن يعملوا بما في التوراة، قاله ابن عباس.
والثاني: التشديد الذي كان عليهم من تحريم السبت، والشحوم والعروق، وغير ذلك من الأمور الشاقة، قاله قتادة، وقال مسروق: لقد كان الرجل من بني إسرائيل يذنب الذنب، فيصبح وقد كتب على باب بيته: إن كفارته أن تنزع عينيك، فينزعهما. اهـ.
قال ابن تيمية: وقد روى مسلم في صحيحه عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم {لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} [البقرة: 284]. الآية، اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بركوا على الركب، فقالوا: "أي رسول الله؛ كلفنا ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد نزلت عليك هذه الآية، ولا نطيقها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير، فلما اقترأها القوم، وذلت بها ألسنتهم، أنزل الله تعالى في إثرها: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير} [البقرة: 285]، فلما فعلوا ذلك نسخها الله؛ فأنزل الله: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة: 286]، قال: نعم {ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا} [البقرة: 286]، قال: نعم {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} [البقرة: 286]، قال: نعم {واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} [البقرة: 286] قال: نعم.
فحذرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يتلقوا أمر الله بما تلقاه أهل الكتابين، وأمرهم بالسمع والطاعة؛ فشكر الله لهم ذلك، حتى رفع الله عنهم، وقال الله في صفته صلى الله عليه وسلم: {ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} [الأعراف: 157]، فأخبر الله سبحانه أن رسوله عليه الصلاة والسلام يضع الآصار والأغلال التي كانت على أهل الكتاب.
ولما دعا المؤمنون بذلك، أخبر الرسول أنه قد استجاب دعاءهم، كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يكره مشابهة أهل الكتابين في هذه الآصار والأغلال، وزجر أصحابه عن التبتل وقال: لا رهبانية في الإسلام وأمر بالسحور، ونهى عن المواصلة، وقال فيما يعيب أهل الكتابين ويحذر موافقتهم فتلك بقاياهم في الصوامع ثم قال: والآصار: ترجع إلى الإيجابات الشديدة. والأغلال: هي التحريمات الشديدة. فان الإصر: هو الثقل والشدة، وهذا شأن ما وجب. والغل: يمنع المغلول من الانطلاق، وهذا شأن المحظور .اهـ. من اقتضاء الصراط المستقيم.
وقال ابن عاشور: وضع الإصر إبطال تشريعه، أي بنسخ ما كان فيه شدة من الشرائع الإلهية السابقة، وحقيقة الوضع الحط من علو إلى سفل، وهو هنا مجاز في إبطال التكليف بالأعمال الشاقة.
و الإصر المراد به هنا التكاليف الشاقة والحرج في الدين وقد كانت شريعة التوراة مشتملة على أحكام كثيرة شاقة مثل العقوبة بالقتل على معاص كثيرة، منها العمل يوم السبت، ومثل تحريم مأكولات كثيرة طيبة وتغليظ التحريم في أمور هينة، كالعمل يوم السبت، وأشد ما في شريعة التوراة من الإصر أنها لم تشرع فيها التوبة من الذنوب، ولا استتابة المجرم. اهـ.
والله أعلم.