السؤال
أنا مدرس في كلية الطب، ومطلوب مني للترقية، أن أنجز بحثا علميا، وأنشره في مجلات علمية سواء كانت عالمية أو محلية.
المشكلة أن كتابة هذا البحث ونشره، يتم في خطوات كثيرة:
1. فكرة البحث وتنفيذها، واستخلاص نتائج، وهذا هو الأساس.
٢.السعي في الإجراءات الروتينية المطلوبة لتنفيذ هذا البحث.
٣. صياغة البحث ونتائجه، استعدادا لنشرة بدون أي مشاركة في جمع المادة العلمية أو تنفيذها، وفي النهاية يكتب اسمك كباحث على البحث وليس مجرد مشارك في إعداده للنشر.
4. المشاركة المادية لنشر هذا البحث، والتي تصل إلى ٣٠٠٠ دولار أو كثر، وأيضا بدون مشاركة في البحث نفسه، فقط دفع الأموال لنشره. لكن في النهاية يكتب اسمك كباحث وليس كممول. مع العلم أنه لا يستطيع أحد منا أن يدفع ثمن الأبحاث المطلوبة للترقية؛ ولذا تتم المشاركة بأعداد كبيرة منا لتقليل نصيب كل فرد من الأموال.
فطريقنا للترقية مجرد دفع الأموال، ويكتب اسمك على أنك مشارك في البحث، والحقيقة أنك دفعت الفلوس فقط، أو أنك أنجزت البحث العلمي فقط، أو أنك تصيغه وتجهزه للنشر من غير أي مشاركة في البحث نفسه، أو أنك تساعد في تنفيذ الخطوات الروتينية التي أيضا ليس لها علاقة بالمحتوى العلمي. مع العلم أن لجنة الترقية وجميع الأساتذة يعرفون هذه الحقيقة كاملة، وكلهم ترقوا بهذه الطرق.
فهل يجوز لي أن أشارك في أي من هذه الخطوات ٢ و٣ و٤ أو أن أقوم برقم ١ وأطلب من الآخرين المشاركة في ٢ و٣ و٤؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما تضمن غشا وتزويرا للحقائق، لا تجوز المشاركة فيه من أجل الترقية أو غيرها. وفساد حال الناس، لا يبيح ذلك. وقد قال عليه الصلاة والسلام: لا تكونوا إمعة تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا. رواه الترمذي.
فمجرد المشاركة المادية لنشر البحث، لا تبيح كتابة اسم المرء عليه وكأنه هو من أنجزه، أو شارك في إنجازه. ويقتصر في ذلك على ما يعتبر مشاركة حقيقية في إعداد البحث، وفق ما يقتضيه نظام الجهة المسؤولة وقوانينها.
وإلا كان المرء غاشا مخادعا، متشبعا بما لا صلة له به، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المتشبع بما لم يعط، كلابس ثوبي زور. رواه البخاري.
قال النووي في شرح مسلم عند شرح هذا الحديث: قال العلماء: معناه المتكثر بما ليس عنده، بأن يظهر أن عنده ما ليس عنده يتكثر بذلك عند الناس، ويتزين بالباطل، فهو مذموم. اهـ.
والغش والخديعة، خلقان محرمان، مذمومان، لا يتصف بهما المؤمن الذي يخاف ربه، ولا ينبغي له أن يزاولهما أصلا، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من غشنا فليس منا. أخرجه مسلم عن أبي هريرة، وأخرج عنه أيضا: من غش فليس مني. وأخرج الطبراني أيضا: من غشنا فليس منا، والمكر والخداع في النار.
وهذا يعم كل غش وكل خديعة، وكل مكر في أي مجال كان، وفي حق أي شخص؛ كما يتبين من ألفاظ الحديث.
والله أعلم.