السؤال
أعمل في مكان منذ أكثر من سنة، وبسبب عطل ما توقفت كل صلاحياتي للعمل، فذهبت لبضعة شهور دون عمل، وانقطعت عن الذهاب بعد ذلك؛ لأنني كنت أذهب بلا جدوى، أو منفعة، ولكني أتقاضي راتبي بطريقة طبيعية، فهل المال حرام؟ مع العلم أن المديرة كانت تعلم بهذا الأمر، ولم تتواصل معي للذهاب للعمل، ولو كان في هذا المال شيء من الحرمة، فهل توجد طريقة أو نسبة معينة أعطيها للفقراء؟ أو ماذا أفعل؟ ولو دعوت، فهل لن يقبل الله دعوتي لهذا السبب؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنه يجب على الموظف الالتزام بالحضور لمكان العمل وقت الدوام كاملا، ولا يجوز له الغياب، إلا وفق ما يسمح به نظام جهة العمل، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: الموظف يجب عليه الحضور في مكان العمل كل وقت الدوام، ولو لم يكن عنده عمل، ولا يجوز له الانصراف، إلا لأمر ضروري يسمح به النظام. اهـ.
ولا ريب في عدم استحقاقك للراتب مع غيابك عن العمل، دون إذن يسمح به النظام، وعلم المديرة بغيابك، وعدم تواصلها معك، لا يحلل لك الراتب، سئل الشيخ ابن عثيمين: إمام يوكل من هو أفضل منه، هل يأثم إذا تغيب وترك المسجد بعض الأحيان؟
فأجاب: لا يحل له ذلك، وما يأخذه من راتب، فحرام عليه، وهذا المال حرام؛ لأنه يأخذه في مقابلة عمل، والمقابل لا بد أن يجر ما يقابله. اهـ. باختصار من لقاء الباب المفتوح.
والواجب عليك هو التوبة إلى الله: بالندم على ما سلف منك، والإقلاع الفوري عنه، مع العزم على عدم العودة إلى مثل ذلك في المستقبل، مع رد الرواتب التي تقابل أيام غيابك إلى جهة العمل.
وإن تعذر ردها، تصدقت بها على الفقراء، أو في مصالح المسلمين، وانظري في هذا الفتوى: 325588.
وإذا التزمت بالحضور لمكان العمل وقت الدوام، فإنك تستحقين الراتب بذلك -ولو لم تكلفي بعمل؛ لتعطل الأجهزة، أو لغير ذلك من الأسباب-، وراجعي في هذا الفتوى رقم: 308890.
وأكل الحرام من موانع استجابة الدعاء، كما جاء في الحديث: أن النبي عليه الصلاة والسلام ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟ أخرجه مسلم.
ولكن هذا لا يقتضي أن كل أدعية آكل الحرام مردودة؛ فقد يكون له من الأعمال الصالحة، أو صدق التضرع في الدعاء، أو غير ذلك، ما يبطل أثر معصيته في المنع من إجابة دعائه، قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: وقوله صلى الله عليه وسلم: فأنى يستجاب لذلك!. معناه: كيف يستجاب له؟! فهو استفهام وقع على وجه التعجب، والاستبعاد، وليس صريحا في استحالة الاستجابة، ومنعها بالكلية.
فيؤخذ من هذا أن التوسع في الحرام، والتغذي به من جملة موانع الإجابة، وقد يوجد ما يمنع هذا المانع من منعه.
وقد يكون ارتكاب المحرمات الفعلية مانعا من الإجابة أيضا، وكذلك ترك الواجبات، كما في الحديث أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يمنع استجابة دعاء الأخيار.
وفعل الطاعات، يكون موجبا لاستجابة الدعاء؛ ولهذا لما توسل الذين دخلوا الغار، وانطبقت الصخرة عليهم بأعمالهم الصالحة التي أخلصوا فيها لله تعالى، ودعوا الله بها، أجيبت دعوتهم. وقال وهب بن منبه: مثل الذي يدعو بغير عمل، كمثل الذي يرمي بغير وتر. وعنه قال: العمل الصالح يبلغ الدعاء، ثم تلا قوله تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} {فاطر:10}، وعن عمر قال: بالورع عما حرم الله، يقبل الله الدعاء، والتسبيح. وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: يكفي مع البر من الدعاء مثل ما يكفي الطعام من الملح. وقال محمد بن واسع: يكفي من الدعاء مع الورع اليسير، وقيل لسفيان: لو دعوت الله؟ قال: إن ترك الذنوب هو الدعاء. وقال الليث: رأى موسى عليه السلام رجلا رافعا يديه وهو يسأل الله مجتهدا، فقال موسى: أي رب، عبدك دعاك حتى رحمته، وأنت أرحم الراحمين، فما صنعت في حاجته؟ فقال: يا موسى، لو رفع يديه حتى ينقطع، ما نظرت في حاجته؛ حتى ينظر في حقي. وخرج الطبراني بإسناد ضعيف عن ابن عباس مرفوعا معناه. وقال مالك بن دينار: أصاب بني إسرائيل بلاء، فخرجوا مخرجا، فأوحى الله تعالى إلى نبيه أن أخبرهم أنكم تخرجون إلى الصعيد بأبدان نجسة، وترفعون إلي أكفا قد سفكتم بها الدماء، وملأتم بها بيوتكم من الحرام، الآن اشتد غضبي عليكم، ولن تزدادوا مني إلا بعدا. وقال بعض السلف: لا تستبطئ الإجابة، وقد سددت طرقها بالمعاصي. اهـ.
والله أعلم.