السؤال
متى آخذ بالقاعدة الفقهية: اليقين لا يزول بالشك؟ وما هو حد الشك؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه القاعدة تدخل في أكثر أبواب الفقه, ويتعذر حصر المسائل المتعلقة بها, وبالتالي، فلا يمكننا أن نبين لك متى تأخذ بهذه القاعدة؛ لكثرة المسائل التي تدخل فيها.
ومن أمثلتها من شك هل أحدث أم لا؟ فإنه يأخذ باليقين، وهو البقاء على الطهارة, ويترك الشك.
وقد ذكر الإمام السيوطي في الأشباه, والنظائر، هذه القاعدة مع أمثلة من المسائل التي تدخل فيها حيث قال:
القاعدة الثانية: اليقين لا يزال بالشك. ودليلها قوله صلى الله عليه وسلم: إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه، أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا رواه مسلم من حديث أبي هريرة. وأصله في الصحيحين عن عبد الله بن زيد قال: "شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، قال : لا ينصرف حتى يسمع صوتا، أو يجد ريحا. وفي الباب عن أبي سعيد الخدري وابن عباس. وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى أثلاثا أم أربعا؟ فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن. وروى الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا سها أحدكم في صلاته، فلم يدر: واحدة صلى، أم اثنتين؟ فليبن على واحدة، فإن لم يتيقن: صلى اثنتين، أم ثلاثا؟ فليبن على اثنتين، فإن لم يدر: أثلاثا صلى أم أربعا؟ فليبن على ثلاث، وليسجد سجدتين قبل أن يسلم.
اعلم أن هذه القاعدة تدخل في جميع أبواب الفقه، والمسائل المخرجة عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه وأكثر، ولو سردتها هنا لطال الشرح، ولكني أسوق منها جملة صالحة، فأقول: يندرج في هذه القاعدة عدة قواعد:
منها: قولهم: "الأصل بقاء ما كان، على ما كان".
فمن أمثلة ذلك: من تيقن الطهارة، وشك في الحدث، فهو متطهر. أو تيقن الحدث، وشك في الطهارة، فهو محدث.
ومن فروع الشك في الحدث أن يشك هل نام أو نعس؟ أو ما رآه رؤيا، أو حديث نفس؟ أو لمس محرما أو غيره؟ أو رجلا أو امرأة؟ أو بشرا أو شعرا؟ أو هل نام ممكنا أو لا؟ أو زالت إحدى إليتيه، وشك: هل كان قبل اليقظة أو بعدها؟ إلى آخر كلامه.
وننصح السائل بالرجوع إلى أمثلة هذه القاعدة في كتب قواعد الفقه, ومنها الأشباه والنظائر للسيوطي.
ومعنى الشك هو استواء الطرفين المتقابلين، اللذين لم يترجح أحدهما على الآخر، لوجود أمارتين متكافئتين في الطرفين، أو لعدم الأمارة فيهما. كما ذكرنا في الفتوى: 236266.
واليقين لا يزول إلا بيقين مثله, فلا يلزوم بالشك, ولا بالظن.
جاء في الاختيار لتعليل المختار: لمجد الدين أبو الفضل الحنفي: ولو ظن أن ماءه قد فني ولم يتيقن، لم يجز تيممه؛ لأن اليقين لا يزول بالظن. انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين في لقاء الباب المفتوح: فاليقين لا يزول بالظن، لا يزول اليقين إلا باليقين، وعلى هذا؛ فمن علق طلاق امرأته على شيء، وشك هل حصل هذا الشيء أم لم يحصل، فلا طلاق عليه، حتى لو غلب على ظنه أنه حصل، فلا طلاق عليه. انتهى.
والله أعلم.