درجة حديث هند ابن أبي هالة: كان رسول الله فخمًا مفخمًا...

0 352

السؤال

ما صحة حديث هند ابن أبي هالة، الذي بدايته: كان رسول الله فخما مفخما؟ أعرف أن كثيرا من المصححين ضعفوه، ولكني أريد أن أعرف هل صححه أحد، أو حسنه، مع ذكر الحديث كاملا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فقد سبق أن بينا في خانة إدخال الأسئلة، أنه لا يسمح إلا بإرسال سؤال واحد فقط في المساحة المعدة لذلك، وأن الرسالة التي تحوي أكثر من سؤال، سيتم الإجابة عن السؤال الأول منها، وإهمال بقية الأسئلة؛ ولذا فإننا سنكتفي بإجابتك عن سؤالك الأول، فنقول: إن حديث هند بن أبي هالة التميمي في صفة النبي صلى الله عليه وسلم، لم نقف على كلام أحد من أهل العلم في تحسين سنده، ولا تصحيحه، وكل من وقفنا على كلام له فيه، حكم بضعفه.

ولفظ الحديث عند البيهقي في الشعب عن الحسن بن علي، قال: سألت خالي هند بن أبي هالة، وكان وصافا عن حلية النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا أشتهي أن يصف لي شيئا منها، أتعلق به، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخما مفخما، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشذب، عظيم الهامة، رجل الشعر، إن انفرقت عقيصته فرق، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه، إذا هو وفره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزج الحواجب، سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأمله أشم، كث اللحية، سهل الخدين، ضليع الفم، أشنب، مفلج الأسنان، دقيق المسربة، كأن عنقه جيد دمية، في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادنا متماسكا، سواء البطن والصدر، عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذراعين، والمنكبين، وأعالي الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، سبط القصب، شثن الكفين، والقدمين، سائل الأطراف، خمصان الأخمصين، مسيح القدمين، ينبو عنهما الماء، إذا زال زال قلعا، يخطو تكفيا، ويمشي هونا، ذريع المشية، إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت جميعا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يسوق أصحابه، يبدر من لقيه بالسلام".

قال: قلت: صف لي منطقه، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، طويل الفكرة، ليس له راحة، لا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتح كلامه ويختمه بأشداقه، يتكلم بجوامع الكلم، فضل لا فضول، ولا تقصير، دمث ليس بالجافي، ولا المهين، يعظم النعمة، وإن دقت، لا يذم منها شيئا، لا يذم ذواقا ولا يمدحه".

وفي رواية غيره: "لم يكن ذواقا، ولا مدحة، ولا تغضبه الدنيا، وما كان لها، وإذا تعوطى الحق، لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شيء، حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها فضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جل ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حب الغمام".

قال: فكتمها الحسين زمانا، ثم حدثته، فوجدته قد سبقني إليه، فسأله كما سألته، ووجدته قد سأل أباه، عن مدخله، ومجلسه، ومخرجه، ومسلكه، فلم يدع منه شيئا، قال: الحسين: سألت أبي، عن دخول النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك، فكان إذا أوى إلى منزله، جزأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزءا لله، وجزءا لأهله، وجزءا لنفسه، ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس، فيرد ذلك على العامة والخاصة، ولا يدخر أو قال: لا يدخر عنهم شيئا، وكان من سيرته في جزء الأمة، إيثار أهل الفضل بإذنه، وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم، ويشغلهم فيما يصلحهم والأمة من مسألتهم عنه، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم، ويقول لهم: ليبلغ الشاهد منكم الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته؛ فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه، ثبت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنده إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون روادا، ولا يتفرقون إلا عن ذواق، ويخرجون أدلة".

قال: وسألته عن مخرجه، كيف كان يصنع فيه؟ فقال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخزن لسانه، إلا مما يعنيهم، ويؤلفهم ولا يفرقهم، أو قال: ينفرهم -شك أبو غسان-، يكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم، ويحذر الناس، ويحترس منهم، من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره، ولا خلقه، ويتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، ويحسن الحسن ويقويه، ويقبح القبيح ويوهيه، معتدل الأمر، غير مختلف، لا يغفل؛ مخافة أن يغفلوا، أو يملوا، لكل حال عنده عتاد، ولا يقصر عن الحق، ولا يجوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة، أحسنهم مواساة ومؤازرة".

قال: فسألته عن مجلسه، فقال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر، ولا يوطن الأماكن، وينهى عن إيطانها، وإذا انتهى إلى قوم، جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، ويعطي كل جلسائه بنصيبه، ولا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه، أو قاومه في حاجة، صابره، حتى يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجة، لم يرده إلا بها، أو بميسور من القول، قد وسع الناس منه بسطه، وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حلم، وحياء، وصبر، وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحرم، ولا تثنى فلتاته، متعادلين، يتفاضلون فيه بالتقوى، متواضعين، يوقرون فيه الكبير، ويرحمون فيه الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحوطون - أو قال: يحفظون - فيه الغريب".

قال: قلت: كيف كانت سيرته في جلساته؟ قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ، ولا غليظ، ولا سخاب، ولا فحاش، ولا عياب، ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يوئس منه، ولا يخيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكثار، وما لا يعينه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا، ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه، كأنما على رؤوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده بشيء، من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم، يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته، حتى إذا كان أصحابه ليستجلبونهم، ويقول: إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها، فأرفدوه، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز، فيقطعه بنهي، أو قيام".

قال: قلت: كيف كان سكوته؟ قال: "كان سكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أربع: الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكر.

 فأما تقديره، ففي تسويته النظر، والاستماع من الناس، وأما تفكيره، أو قال: تفكره ففيما يبقى ويفنى، وجمع له الحلم، والصبر، فكان لا يغضبه شيء، ولا يستفزه، وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالحسنى ليقتدى به، وتركه القبيح لينتهى عنه، واجتهاده في الرأي فيما هو أصلح لأمته، والقيام لهم فيما جمع لهم أمر الدنيا والآخرة. اهــ. 

والله تعالى أعلم. 

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات