مذاهب العلماء وأدلتهم في حكم الدم

0 2216

السؤال

ما الحكم الراجح في الدم: هل هو طاهر أم نجس؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الدم ينقسم إلى أقسام، اتفق العلماء على حكم بعضها، واختلفوا في حكم البعض الآخر.

فالدم المسفوح عند المالكية نجس، سواء كان من سمك، أم آدمي، أم غيرهما، مع العفو عن يسيره، ولو خرج من السبيلين، ودليلهم على نجاسته، عموم قوله تعالى: أو دما مسفوحا {الأنعام:145}، وحديث أسماء المتفق عليه، قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة، كيف تصنع به؟ قال: "تحته، ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه". ولا فرق بين دم الحيض، وغيره.

ودليل العفو عن اليسير من الدماء عندهم، هو رفع الحرج، والإصر الكائن في التحرز من قليل الدم، وقد قال تعالى: وما جعل عليكم في الدين من حرج {الحج:78}.

 وما تبقى في عروق المذكاة، أو عظامها من الدم، فهو طاهر؛ لقول عائشة -رضي الله عنها-: كنا نطبخ البرمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، تعلوها الصفرة من الدم، فنأكل، ولا ننكره. هكذا أورد القرطبي هذا الأثر. وقد أخرجه الطبري في تفسيره من طريقين عن القاسم، عن عائشة بنحوه، وليس فيه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 وأما الدم المصبوب في جوف الذبيحة، مما ليس في عروقها، فألحقوه بالدم المسفوح، كما ألحقوا دم القلب بدم العروق، على المشهور في هذين الأخيرين، هذا هو حكم الدم عند المالكية، وهو قريب من مذهب الأحناف، إلا أن الأحناف يقولون بطهارة دم البراغيث، والبق، ونحوهما، مما ليست له نفس سائلة.

- أما الحنابلة: فالدم عندهم ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

-طاهر.

- نجس لا يعفى عن شيء منه.

- نجس يعفى عن يسيره.

فالطاهر هو: دم البعوض، والذباب، ونحو ذلك مما لا يسيل، ودم عروق المذكاة، ودم الشهيد، الذي لم ينفصل عنه؛ لأمره صلى الله عليه وسلم بدفن الشهداء في دمائهم. أخرجه البخاري عن جابر -رضي الله عنه-.

والدم النجس الذي لا يعفى عن شيء منه، هو: كل دم خرج من حيوان نجس، أو خرج من السبيلين من الآدمي، فلو أصاب الإنسان منه قدر رأس إبرة، لزمه غسله.

وأما الدم الذي يعفى عن يسيره، فهو: دم الآدمي، أو غيره من الحيوانات الطاهرة، هذا هو مشهور المذهب.

أما الشافعية: فإن الدم المسفوح عندهم نجس، سواء كان من آدمي، أم من غيره، إلا أنه يعفى عندهم عن يسيره، كما يعفى عن دم الجروح، ولو كان كثيرا؛ شريطة أن يكون من الإنسان نفسه، وأن لا يكون بفعله، وتعمده، وأن لا يتجاوز محله المعتاد وصوله إليه.

ويعفى أيضا عندهم عن دم البراغيث، والقمل، ونحوهما، مما ليست له نفس سائلة، فيعفى عنه في الثوب، والبدن؛ لعسر التحرز منه عادة، هذا هو ملخص مذاهب الأئمة الأربعة -رحمهم الله تعالى- في الدم.

فقد اتفقوا في الجملة على نجاسة الدم المسفوح.

 كما اتفقوا على العفو عما يصعب التحرز منه من الدماء، إلا ما تقدم عن الحنابلة من عدم العفو عن أي شيء مما خرج من سبيلي الآدمي، أو من الحيوان النجس.

وذهب بعض أهل العلم إلى طهارة دم الآدمي غير الخارج من السبيلين؛ لعدة أمور، منها:

أولا: أن الأصل في الأشياء الطهارة؛ حتى يقوم دليل النجاسة، ولا نعلم أنه صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الدم، إلا دم الحيض، مع كثرة ما يصيب الإنسان من جروح، ورعاف، وحجامة، وغير ذلك، ولو كان نجسا؛ لبين ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ لدعاء الحاجة إلى بيانه.

ثانيا: أن المسلمين ما زالوا يصلون في جراحاتهم في القتال، وقد يسيل منهم الدم الكثير، ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمرهم بغسله، ولم يرد أنهم كانوا يتحرزون منه تحرزهم من النجاسات.

ثالثا: أن ميتة الآدمي طاهرة، وأجزاؤها طاهرة، فلو قطعت يده، لكانت طاهرة، مع أنها تحمل دما، وربما كان كثيرا، وإذا كانت ميتة الآدمي طاهرة، أو جزؤه الذي هو ركن في بنيته، فإن الدم من باب أولى.

والدليل على طهارة ميتة الآدمي: قوله صلى الله عليه وسلم: إن المؤمن لا ينجس. متفق عليه.

وأما قياسه على دم الحيض، فإنه لا يتم؛ لما بينهما من الفروق.

والراجح قول الجمهور القائلين بنجاسة الدم؛ للأدلة التي ذكرناها في بداية جوابنا.

ومن أراد المزيد في هذا البحث، فليرجع إلى: "الشرح الممتع على زاد المستقنع" لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العيثمين -رحمه الله-، وغيره من كتب الفقه التي تناولت المسألة بالتفصيل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة