هل الكفار يدعون الله؟ وما معنى حديث: "أعجز الناس من عجز عن الدعاء"؟

0 66

السؤال

استشكل علي فهم هذه الآيات: (وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون * ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون)، فهل الكفار يدعون الله؟ وهناك ملحدون لا يعترفون بالخالق جل وعلا، وهناك من يعبد الحجر، والشجر، فما توجيه هذه الآية، وآيات أخرى أيضا بنفس المعنى -تارة في البحر، وتارة عند نزول البلاء-؟ وهل لها علاقة بحديث: أعجز الناس من عجز عن الدعاء؟ وما هو الجامع بينهما؟ جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فليس كل الكفار ملحدين، لا يقرون بوجود الله، بل الكفار أصناف، منهم الذي ينكر وجود الله تعالى، ومنهم من يقر بوجوده، ولكنه يعبد غيره، أو يكفر برسله، أو ببعضهم، وغير ذلك، ولا شك أن هؤلاء يلجؤون إلى الله تعالى؛ لأنهم يقرون أنه الخالق المدبر؛ لا سيما وقت الشدة، وينسون معبوداتهم الباطلة، قال صاحب أضواء البيان في تفسير قوله تعالى: قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين * بل إياه تدعون... الآية، قال:

ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن المشركين إذا أتاهم عذاب من الله، أو أتتهم الساعة، أخلصوا الدعاء، الذي هو مخ العبادة، لله وحده، ونسوا ما كانوا يشركون به; لعلمهم أنه لا يكشف الكروب إلا الله وحده جل وعلا.

ولم يبين هنا نوع العذاب الدنيوي، الذي يحملهم على الإخلاص لله، ولم يبين هنا أيضا إذا كشف عنهم العذاب: هل يستمرون على إخلاصهم، أو يرجعون إلى كفرهم وشركهم؟ ولكنه بين كل ذلك في مواضع أخر، فبين أن العذاب الدنيوي، الذي يحملهم على الإخلاص، هو نزول الكروب، التي يخاف من نزلت به الهلاك، كأن يهيج البحر عليهم، وتلتطم أمواجه، ويغلب على ظنهم أنهم سيغرقون فيه، إن لم يخلصوا الدعاء لله وحده، كقوله تعالى: حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق الآية [10 22، 23]، وقوله: وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه [17 67]، وقوله: فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين [29 65]، وقوله: وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين [31 32]، إلى غير ذلك من الآيات.

وبين أنهم إذا كشف الله عنهم ذلك الكرب، رجعوا إلى ما كانوا عليه من الشرك في مواضع كثيرة، كقوله: فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا، وقوله: فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون، وقوله: قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون [6 64]، وقوله: فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق، إلى غير ذلك من الآيات.

وبين تعالى أن رجوعهم للشرك، بعد أن نجاهم الله من الغرق، من شدة جهلهم، وعماهم; لأنه قادر على أن يهلكهم في البر، كقدرته على إهلاكهم في البحر، وقادر على أن يعيدهم في البحر مرة أخرى، ويهلكهم فيه بالغرق، فجرأتهم عليه إذا وصلوا البر لا وجه لها; لأنها من جهلهم، وضلالهم، وذلك في قوله: أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا [17 68، 69]. اهــ.

وأما حديث: وإن أعجز الناس، من عجز بالدعاء. فمعناه -كما قال الشراح-: أي: من أضعفهم رأيا، وأعماهم بصيرة (من عجز عن الدعاء) أي: الطلب من الله تعالى، لا سيما عند الشدائد؛ لتركه ما أمره الله به، وتعرضه لغضبه؛ بإهماله ما لا مشقة عليه فيه. اهــ

وهذا العجر قد يحصل من المسلم، والكافر، فلا تلازم بينه وبين الآيات السابقة.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة