الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فجواب هذا السؤال يعتمد على فهم، وتقدير الواقع من خلال قول السائلة: (كان يمكنني تفاديه بإمداده بالأكسجين قبلها):
فإن كان هذا يعد -في حكم أهل الخبرة والاختصاص- إهمالا طبيا، وتقصيرا في أداء واجب المهنة، وهو الذي أدى للوفاة: فإن هذا يكون له حكم قتل الخطأ؛ لأن من لزمه القيام بعمل، فقصر فيه، ضمن ما أدى إليه تقصيره من أضرار، وهذا أصل، قد أناط به أهل العلم كثيرا من المسائل، ومنها: تقصير الطبيب، أو إهماله، إذا ترتب عليه هلاك المريض، جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن ضمان الطبيب ما يأتي: يكون الطبيب ضامنا، إذا ترتب ضرر بالمريض في الحالات الآتية: ... إذا ارتكب خطأ لا يقع فيه أمثاله، ولا تقره أصول المهنة، أو وقع منه إهمال، أو تقصير. اهـ.
وقال النفراوي في (الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني): إن عالج العالم بالطب المريض، ومات من مرضه، لا شيء عليه، بخلاف الجاهل، أو المقصر، فإنه يضمن ما نشأ عن فعله. اهـ.
وقال الدكتور صالح الفوزان: إذا مات المريض بسبب الإهمال، والتفريط من الطبيب، ومن يساعده، فإنهم يشتركون جميعا في المسؤولية، فيشتركون في الضمان، والكفارة. اهـ.
وقال الشيخ الدكتور محمد الشنقيطي في رسالته العلمية: (أحكام الجراحة الطبية): يجب على كل من الأطباء، ومساعديهم ضمان التلف الناشئ عن فعلهم أثناء قيامهم بالمهمات المتعلقة بهم في الجراحة، وذلك في الصور التالية: ... الصورة الثانية: أن يكونوا عالمين بالمهمة، ولا يتقيدوا بأصولها المعتبرة عند أدائها.
وتشتمل هذه الصورة على نوعين من الإخلال:
أحدهما: مجاوزة الحد المعتبر عند أهل الاختصاص.
الثاني: التقصير في أداء الواجب ... اهـ.
وقال الدكتور عبد الرحمن الردادي في بحثه: (صناعة الدواء والأحكام المتعلقة بها ص 1225) المقدم لمؤتمر الفقه الإسلامي: التسبب كما يكون بالفعل، يكون بعدم الفعل، أي: التسبب بالترك، ومنه التسبب بالتقصير، ويسمى التسبب السلبي، وهو: أن يهمل الشخص القيام بعمل مطلوب منه، فيقع التلف. اهـ.
وقال المستشار عبد القادر عودة في (التشريع الجنائي الإسلامي): الظاهر من تتبع أمثلة الفقهاء أن الجاني يكون مسؤولا كلما كان الفعل والترك نتيجة إهمال، أو تقصير، أو عدم احتياط وتحرز، أو عدم تبصر، أو مخالفة لأمر السلطات العامة، أو الشريعة... ويسير الفقهاء عامة على قاعدتين عامتين يحكمان مسؤولية الجاني في الخطأ، وبتطبيقهما نستطيع أن نقول: إن شخصا ما أخطأ أو لم يخطئ:
ـ القاعدة الأولى: كل ما يلحق ضررا بالغير، يسأل عنه فاعله، أو المتسبب فيه، إذا كان يمكن التحرز منه، ويعتبر أنه تحرز إذا لم يهمل، أو يقصر في الاحتياط والتبصر، فإذا كان لا يمكنه التحرز منه إطلاقا، فلا مسؤولية ... اهـ.
وفي هذا إشارة إلى أن الترك كالفعل، إذا كان نتيجة إهمال، أو تقصير، أو عدم احتياط وتحرز، أو عدم تبصر. وقد نص الفقهاء على وجوب الضمان في الترك المؤدي إلى تلف النفس، أو المال، قال الطرابلسي في (معين الحكام): ومن مسائل الضمان: صبي ابن ثلاث سنين، وحق الحضانة للأم، فخرجت، وتركت الصبي، فوقع في النار: تضمن الأم ... قال السمرقندي في مجموعاته: امرأة تصرع أحيانا، فتحتاج إلى حفظها؛ لئلا تقع في ماء، أو نار، وهي في منزل الزوج، فعليه حفظها، وإن لم يحفظها، حتى لو ألقت نفسها في نار عند الصرع، فعلى الزوج ضمانها. اهـ.
وجاء في الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي: وهل يجب الضمان بالترك؟ تقدم نظيره في كلام المصنف، وأن الصحيح: أنه يضمن، إذا ترك فعل الأصلح. والحالة هذه. اهـ.
ومن قواعد الضمان في الفقه الإسلامي: (من ترك واجبا في الصون ضمن). ومن القواعد الفقهية المقررة: (المفرط ضامن).
وفي معنى هذه القاعدة ومدلولها، يقول الدكتور محمد آل بورنو في (موسوعة القواعد الفقهية): المفرط: اسم فاعل، من فرط فهو مفرط. أي: مهمل، ومتهاون، غير محتاط، ومقصر، ومضيع. فمن قصر في حفظ، أو رعاية ما أو من تحت يده حتى ضاعوا أو هلكوا، فإنه غارم، وضامن لما ضاع، أو هلك بسبب تقصيره وإهماله. ... اهـ.
وفي حال الحكم بكون ما حدث يدخل في قتل الخطأ، فيجب على الجاني كفارة قتل الخطأ بصيام شهرين متتابعين، وتجب على عاقلته الدية لورثة المتوفى.
والعاقلة هم العصبة، والقرابة من جهة الأب، قال تعالى: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما [النساء: 92].
وراجعي للفائدة الفتاوى: 129756، 5852، 128083.
والله أعلم.