السؤال
مامعنى الذكر و الدعاء لغة واصطلاحا؟ و ما هي آثار الذكر والدعاء على الفرد والمجتمع أخلاقيا واجتماعيا وسياسيا؟ و جزاكم الله خير الجزاء.
مامعنى الذكر و الدعاء لغة واصطلاحا؟ و ما هي آثار الذكر والدعاء على الفرد والمجتمع أخلاقيا واجتماعيا وسياسيا؟ و جزاكم الله خير الجزاء.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد جاء في الموسوعة الفقهية: الذكر لغة مصدر ذكر الشيء يذكره ذكرا، وذكرا، وقال الكسائي: الذكر باللسان ضد الإنصات، ذاله مكسورة، وبالقلب ضد النسيان وذاله مضمومة، وقال غيره: بل هما لغتان. وهو يأتي في اللغة لمعان: الأول: الشيء يجري على اللسان، أي ما ينطق به، يقال: ذكرت الشيء أذكره ذكرا وذكرا إذا نطقت باسمه أو تحدثت عنه، ومنه قوله تعالى: ذكر رحمت ربك عبده زكريا [مريم:2]. والثاني: استحضار الشيء في القلب، ضد النسيان. قال تعالى حكاية عن فتى موسى: وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [الكهف: 63]. قال الراغب في المفردات، ونقله عنه صاحب القاموس في بصائره: الذكر تارة يراد به هيئة للنفس بها يمكن الإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة، وهو كالحفظ، إلا أن الحفظ يقال اعتبارا بإحرازه، والذكر يقال باعتبار استحضاره، وتارة يقال لحضور الشيء القلب أو القول، ولذلك قيل: الذكر ذكران: ذكر بالقلب، وذكر باللسان، وكل واحد منهما ضربان: ذكر عن نسيان، وذكر لا عن نسيان، بل عن إدامة حفظ، وكل قول يقال له ذكر، ومن الذكر بالقلب واللسان معا قوله تعالى: فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا [البقرة: 200]. أما في الاصطلاح، فيستعمل الذكر بمعنى ذكر العبد لربه عز وجل، سواء بالإخبار المجرد عن ذاته، أو صفاته، أو أفعاله، أو أحكامه أو بتلاوة كتابه، أو بمسألته ودعائه، أو بإنشاء الثناء عليه بتقديسه، وتمجيده وتوحيده وحمده وشكره، وتعظيمه، ويستعمل الذكر اصطلاحا بمعنى أخص من ذلك، فيكون بمعنى إنشاء الثناء بما تقدم، دون سائر المعاني الأخرى المذكورة، ويشير إلى الاستعمال بهذا المعنى الأخص قوله تعالى: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر [العنكبوت: 45]. وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله تعالى: من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي، أعطيته أفضل ما أعطي السائلين. فجعلت الآية الذكر غير الصلاة، على التفسير بأن نهي ذكر الله عن الفحشاء والمنكر أعظم من نهي الصلاة عنهما، وجعل الحديث الذكر غير تلاوة القرآن، وغير المسألة، وهي الدعاء، وهذا الاستعمال الأخص هو الأكثر عند الفقهاء، حتى إن ابن علان ذهب إلى أنه الحقيقة، وأن استعماله لغير ذلك من المعاني مجاز، قال: "أصل وضع الذكر هو ما تعبدنا الشارع بلفظه مما يتعلق بتعظيم الحق والثناء عليه". وذكر الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم امتنع من رد السلام على المهاجر بن قنفذ حتى توضأ ثم قال: إني كرهت أن أذكر الله تعالى إلا على طهر. قال ابن علان: جواب السلام ليس موضوعا لذلك، أي للثناء والتعظيم، فإطلاق الذكر عليه مجاز شرعي سببه -أي علاقته- المشابهة، أي من حيث هو قول يبنى عليه الثواب. وأطلق الذكر في القرآن على عدة أمور باعتبار المعنيين اللغويين أو واحد منهما، فأطلق على القرآن العظيم نفسه في مثل قوله تعالى: وهذا ذكر مبارك أنزلناه [الانبياء: 50]. وقال: ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم [آل عمران:58]. وأطلق على التوراة في قوله تعالى: ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون [الانبياء:105]. وأطلق على كتب الأنبياء المتقدمين، قال الراغب: قوله تعالى: فاسألوا أهل الذكر [النحل: 43]. أي الكتب المتقدمة، وقال الزبيدي: كل كتاب من كتب الأنبياء ذكر، وقال تعالى: أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي [الانبياء: 24]. أي هذا هو الكتاب المنزل على من معي والكتاب الآخر المنزل على من تقدمني، وهو التوراة والإنجيل والزبور والصحف، وليس في شيء منها أن الله أذن بأن تتخذوا إلها من دون الله، وقد فسرت الآية أيضا بغير ذلك. وأطلق الذكر على النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: قد أنزل الله إليكم ذكرا * رسولا [الطلاق: 10-11]. فقد قيل: إن الذكر هنا وصف للرسول صلى الله عليه وسلم كما أن الكلمة وصف لعيسى عليه السلام من حيث إنه يبشر به في الكتب المتقدمة. وأطلق الذكر بمعنى الصيت، ويكون في الخير والشر، وبمعنى الشرف، من حيث إن صاحبهما يذكر بهما. وقد فسر بهما قوله تعالى لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم [الانبياء: 10]. وقوله: وإنه لذكر لك ولقومك [الزخرف: 44]. وأطلق الذكر بمعنى الاتعاظ وما يحصل به الوعظ، وقد فسر بذلك قوله تعالى: ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر [القمر:17]. وقوله تعالى: أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين [الزخرف:5]. قال الرازي: المعنى: أنرد عنكم النصائح والمواعظ. وقد فسرت بغير ذلك. وأطلق الذكر في السنة النبوية على اللوح المحفوظ، وذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: وكتب الله في الذكر كل شيء أي لأن اللوح محل للذكر كتب الله فيه كل شيء من الكائنات. ويشتمل هذا البحث على ما يلي: 1- الذكر بمعنى ذكر الله تعالى والثناء عليه. 2- والذكر بمعنى النطق باسم الشيء. 3- والذكر بمعنى استحضار الشيء في القلب. 4- والذكر بمعنى الشهرة والصيت والشرف. وأما الذكر بسائر المعاني، فتنظر أحكامه في مواضع أخرى (ر: قرآن. توراة إنجيل. وعظ. دعاء). وجاء فيها أيضا: الدعاء لغة مصدر دعوت الله أدعوه دعاء ودعوى، أي ابتهلت إليه بالسؤال ورغبت فيما عنده من الخير، وهو بمعنى النداء، يقال: دعا الرجل دعوا ودعاء أي: ناداه، ودعوت فلانا صحت به واستدعيته، ودعوت زيدا ناديته وطلبت إقباله. ودعا المؤذن الناس إلى الصلاة، فهو داعي الله، والجمع: دعاة وداعون، ودعاه يدعوه دعاء ودعوى: أي رغب إليه، ودعا زيدا: استعانه، ودعا إلى الأمر: ساقه إليه. والدعاء في الاصطلاح: الكلام الإنشائي الدال على الطلب مع الخضوع، ويسمى أيضا سؤالا. وقد قال الخطابي: حقيقة الدعاء استدعاء العبد من ربه العناية واستمداده إياه المعونة، وحقيقته إظهار الافتقار إليه، والبراءة من الحول والقوة التي له، وهو سمة العبودية وإظهار الذلة البشرية، وفيه معنى الثناء على الله، وإضافة الجود والكرم إليه. 3- وقد ورد في القرآن الكريم بمعان منها: أ- الاستغاثة: كما في قوله تعالى: قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين * بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون [الأنعام:40-41]. ب- العبادة: كما في قوله تعالى: إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم [الأعراف: 194]. وقوله تعالى: واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي [الكهف: 28]. وقوله تعالى: لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا [الكهف: 14]. ج- النداء: ومنه قوله تعالى: يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده [الاسراء: 52]. وقوله: قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا [القصص: 25]. د- الطلب والسؤال من الله: وهو المراد هنا كما في قوله تعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان [البقرة: 186]. وقوله تعالى: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم [غافر: 60]. ويوافق هذا المعنى ما يقال: دعوت الله أدعوه دعاء، أي ابتهلت إليه بالسؤال، ورغبت فيما عنده من الخير، والداعي اسم الفاعل من الدعاء، والجمع دعاة، وداعون، مثل قاض وقضاة وقاضون. انتهى. وأما آثار الذكر والدعاء على الفرد والمجتمع، فظاهرة لا تخفى وكثيرة لا تحصى، ولكن نجمل أهمها في النقاط التالية: 1- الحماية من الهلاك والحصانة من المكروه والحصول على المرغوب. 2- الحفظ والعناية والمعية الخاصة للذاكرين والداعين. 3- الحصول على البركات والخيرات. 4- حصول الأمن والاستقرار. 5- تحقق النصر والظفر على الأعداء، فالذكر والدعاء ثبات للقلب وقوة للبدن. 6- رفعة الدرجات في الآخرة. 7- الطمأنينة وراحة البال لاستشعار الذاكر والداعي أن الله معه، ومن كان الله معه، فلا غالب له. والله أعلم.