السؤال
شخص يبيع كحلا طبيعيا، فعمل تحليلا كيميائيا له، ووجده -بحمد الله- أصليا، فتعاملت معه، وأصبحت أشتري منه، وأبيع في بلدي، ومع مرور الوقت أصبح المصدر يغشنا، ونحن لا نعلم، حتى مرض زبون، وجاء يشتكي، فأخذنا قطعة، وعملنا لها تحليلا، فوجدناها مغشوشة، فمن الضامن؟ وهل نأثم بهذه المعاملة؟ وما اسم هذه المعاملة؟ مع العلم أن الذي اشترى منه، عمل تحليلا لأول كمية فقط، والكميات التي وراءها كانت بالثقة من المصدر. بارك الله فيكم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الله عز وجل حرم الخديعة، والغش، وأوجب النصيحة في الدين عامة، وفي المعاملات خاصة، روى مسلم في صحيحه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء (المطر) يا رسول الله، قال: ألا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟! من غش، فليس مني. فدل الحديث على تحريم الغش، وكتمان العيوب في البيوع.
لكن طالما أن السائل لم يكن يعلم بالغش، فلا إثم عليه، وإنما الإثم على من غشه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - كما في الفتاوى الكبرى-: بيع المعيب، والمدلس إذا صدر ممن يعلم بذلك لمن لا يعلمه، كان حراما في حق البائع، حلالا في حق المشتري. اهـ.
وأما الضمان هنا، فيحتاج إلى نظر من قبل القضاء؛ للوقوف على حيثيات المسألة، وتحديد من يوجه إليه اللوم، والضمان فيها، مع أن التسبب من أسباب الضمان، جاء في الفروق للقرافي: أسباب الضمان ثلاثة، فمتى وجد واحد منها، وجب الضمان: أحدها: التفويت مباشرة. وثانيها: التسبب للإتلاف. وثالثها: وضع اليد غير المؤتمنة. اهـ.
فمن قدم لشخص طعاما مسموما ليقدمه لضيوفه، والثاني لا يعلم بكون الطعام مسموما، فالضمان هنا يكون على من سمم الطعام، ولوثه، جاء في شرح تحفة أهل الطلب في تجريد أصول قواعد ابن رجب: إذا قدم طعاما مسموما عالما به إلى من لا يعلم أنه مسموم، فأكله، فمات، فالمسؤولية على المتسبب، وهو المقدم للطعام، دون المباشر، وهو الآكل؛ لأن القتل مبني على السبب، وهو تقديم الطعام المسموم، وليس من المباشر - وهو الآكل - عدوان، فتتعلق المسؤولية بالسبب دون المباشرة. اهـ.
وقد يقال مثل ذلك في من باع لشخص سلعة مغشوشة يترتب على استعمالها إضرار بالغير، فباعها المشتري على السلامة؛ لأنه لا يدري كون الأول قد غشه، فيتوجه الضمان هنا إلى الأول.
والله أعلم.