حكم القتل شبه العمد، والإجابة عن قتل سيدنا موسى للقبطي

0 25

السؤال

بما أن الأنبياء معصومون من الكبائر، وموسى -عليه السلام- قتل شخصا دون قصد، فهل هذا يعني أن القتل شبه العمد من الصغائر؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالقتل الذي هو من كبائر الذنوب، هو القتل العمد العدوان، وكذا القتل شبه العمد، قد عده العلماء من الكبائر، قال الفقيه ابن حجر المكي: الكبيرة الثالثة عشرة بعد الثلاثمائة: قتل المسلم، أو الذمي المعصوم عمدا، أو شبه عمد. انتهى. وقال معللا ذلك: أن شبه العمد يدخل الفعل فيه بحسب اسم الكبيرة؛ لقدرته على الفعل، بخلاف الخطأ، فإنه لم يفعله باختياره. انتهى.

وإذا علمت هذا؛ فقتل موسى -عليه السلام- للقبطي لم يكن من هذا الباب، وقد بين بعض أهل العلم أن ما فعله موسى -عليه السلام-، إنما يدخل في باب القتل الخطأ، قال القرطبي -رحمه الله-: (قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له) ندم موسى -عليه السلام- على ذلك الوكز، الذي كان فيه ذهاب النفس، فحمله ندمه على الخضوع لربه، والاستغفار من ذنبه، قال قتادة: عرف- والله- المخرج، فاستغفر، ثم لم يزل صلى الله عليه وسلم يعدد ذلك على نفسه، مع علمه بأنه قد غفر له، حتى إنه في القيامة يقول: إني قتلت نفسا لم أومر بقتلها. وإنما عدده على نفسه ذنبا، وقال:" ظلمت نفسي فاغفر لي" من أجل أنه لا ينبغي لنبي أن يقتل؛ حتى يؤمر، وأيضا فإن الأنبياء يشفقون مما لا يشفق منه غيرهم. قال النقاش: لم يقتله عن عمد مريدا للقتل، وإنما وكزه وكزة، يريد بها دفع ظلمه. قال وقد قيل: إن هذا كان قبل النبوة. وقال كعب: كان إذ ذاك ابن اثنتي عشرة سنة، وكان قتله مع ذلك خطأ، فإن الوكزة واللكزة في الغالب لا تقتل. انتهى.

وزاد العلامة الألوسي هذا المقام إيضاحا، وبين عدم منافاة قتل موسى للقبطي، للقول بعصمة الأنبياء عن الكبائر، بل والصغائر، فقال ما عبارته: وإنما قال -عليه السلام- ما قال؛ لأنه فعل ما لم يؤذن له به، وليس من سنن آبائه الأنبياء -عليهم السلام- في مثل هذه الحادثة التي شاهدها، وقد أفضى إلى قتل نفس لم يشرع في شريعة من الشرائع قتلها، ولا يشكل ذلك على القول بأن الأنبياء -عليهم السلام- معصومون عن الكبائر بعد النبوة، وقبلها؛ لأن أصل الوكز من الصغائر، وما وقع من القتل، كان خطأ، كما قاله كعب، وغيره، والخطأ وإن كان لا يخلو عن الإثم؛ ولذا شرعت فيه الكفارة، إلا أنه صغيرة أيضا، بل قيل: لا يشكل أيضا على القول بعصمتهم عن الكبائر، والصغائر مطلقا؛ لجواز أن يكون -عليه السلام- قد رأى أن في الوكز دفع ظالم عن مظلوم، ففعله غير قاصد به القتل، وإنما وقع مترتبا عليه لا عن قصد، وكون الخطأ لا يخلو عن إثم في شرائع الأنبياء المتقدمين -عليهم السلام-، كما في شريعة نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم، غير معلوم، وكذا مشروعية الكفارة فيه، وكأنه -عليه السلام- بعد أن وقع منه ما وقع، تأمل، فظهر له إمكان الدفع بغير الوكز، وأنه لم يتثبت في رأيه؛ لما اعتراه من الغضب، فعلم أنه فعل خلاف الأولى بالنسبة إلى أمثاله، فقال ما قال، على عادة المقربين في استعظامهم خلاف الأولى.

ثم إن هذا الفعل وقع منه -عليه السلام- قبل النبوة، كما هو ظاهر قوله تعالى حكاية عنه في سورة الشعراء: ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين [الشعراء:21]، وبذلك قال النقاش، وغيره، وروي عن كعب أنه -عليه السلام- كان إذ ذاك ابن اثنتي عشرة سنة، ومن فسر الاستواء ببلوغ أربعين سنة، وجعل ما ذكر بعد بلوغ الأشد، والاستواء، وإيتاء الحكم، والعلم بالمعنى الذي لا يقتضي النبوة، يلزمه أن يقول: كان -عليه السلام- إذ ذاك ابن أربعين سنة أو ما فوقها بقليل. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة