السؤال
قرأت في إحدى المواقع الإسلامية الموثوقة هذا الكلام:"هذه الآيات المذكورة ، وأمثالها في القرآن كقوله ... وقوله: ( وبنينا فوقكم سبعا شدادا ) ، [78 12] وقوله: ( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ) [51 47] ، وقوله تعالى: ( وجعلنا السماء سقفا محفوظا الآية ) [21 32] ، ونحو ذلك من الآيات = يدل دلالة واضحة، على أن ما يزعمه ملاحدة الكفرة، ومن قلدهم من مطموسي البصائر ممن يدعون الإسلام: أن السماء فضاء ، لا جرم مبني؛ أنه كفر، وإلحاد، وزندقة، وتكذيب لنصوص القرآن العظيم، والعلم عند الله تعالى."
فهل لأنني اردت تصديق العلم والعلماء بأن السماء عبارة عن فضاء يحتوي على الأشعة والغازات، وليس جرما صلبا، هل أصبحت هكذا كافرة؟ هل هذا الكلام صحيح أفيدوني؟
وكيف يمكننا تفسير آية "ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه" مع ضوء المعارف العلمية التي تخبرنا بأن السماء ليست جرما صلبا يمكن أن يقع؟
وإن قلنا أن السماء هي جرم صلب، فهذا يضرب بعلوم الفضاء ضرب الحائط، لأن السماء عبارة عن أشعة وغازات لا أكثر، والقول بأنها جرم صلب هو قول خاطئ علميا، فكيف إذا خرج رائدو الفضاء من الأرض إلى الفضاء لو كانت السماء صلبة؟ وكيف تخرج الأقمار الصناعية إن كانت صلبة؟
وكيف بإمكاننا التوفيق بين الآيات التي ذكرت فوق، وبين المعارف العلمية التي تخبرنا أن السماء ليست جرما صلبا؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأصل إشكال السائلة أنها لا تفرق بين النظريات العلمية - وهي كثيرة جدا وبينها قدر كبير من التفاوت بل والتعارض - وبين الحقائق العلمية الثابتة التي لا تقبل التشكيك ولا التغير، وهي قليلة جدا مقارنة بالنظريات، والفرضيات العلمية، التي تحاول تفسير بعض الظواهر الكونية، وهي تتطور باستمرار، ولا يكاد يمر عقد، أو بضعة عقود من الزمان، حتى يظهر ويتحقق فيها وجود الخطأ والخلل. ومن جملة ذلك: تصور العلماء لشكل الكون والسماء، فقد تطور ذلك بشكل كبير مع قرب دخول الألفية الثالثة، وأصبح الآن الحديث عن السماء كبناء متماسك محكم التشييد، وليست فراغا، أو فضاء كما كان يعتقد إلى عهد قريب، وبدؤوا رؤيتها بالفعل كبناء هندسي هائل، يتكلمون عن مادته، ونسيج بنائه وتركيبه، وأن تجمعات المجرات تشكل لبنات هذا البناء، وأن هنالك مادة غير مرئية سموها بالمادة المظلمة تشكل نسيجا كونيا، وتمسك بالمجرات بفعل جاذبيتها الكبيرة، بنظام هندسي محكم، فيه جسور وجدران كونية، تصل وتفصل بين هذه المجرات، حتى قال العالم الألماني بول ميلر: إن السماء أشبه بمدينة ذات طرق سريعة تتدفق خلالها المجرات والنجوم. اهـ.
ولمزيد الفائدة يمكن الرجوع لكتاب (أسرار الكون بين العلم والقرآن).
والمقصود أن الحديث عن السماء كفضاء أو فراغ، قد تعداه العلم الحديث! وأن الوقت ما زال مبكرا جدا عن العلم بتفاصيل البناء الكوني وإدراك حقائقه في الجزء المرئي من الكون، فما بالنا بالجزء غير المدرك منه، والذي هو أكبر بكثير جدا من الجزء المدرك منه، وكل هذا في السماء الدنيا التي هي أدنى السموات السبع!
وأمر آخر ينبغي مراعاته، وهو أن لفظ السماء يطلق على كل ما يعلونا، وهذا لا ريب في أن منه جزءا من الهواء أو الفضاء، وأما ما وراء ذلك فهو بالغ التعقيد في تركيبه، وتكوينه وتوازن قواه، مع السعة الشاسعة التي لا يكد يتصورها العقل. ولا يتكلم العلماء عن هذا إلا من باب الفرضيات، والنظريات العلمية، وأما الحقيقة العلمية فالبشر إلى الآن عاجزون عن إدراكها وإثباتها. وراجعي لمزيد الفائدة الفتوينن: 349579، 190961.
والله أعلم.