السؤال
كنت ألعب لعبة افتراضية، كأنني في الدنيا، وأستطيع العمل فيها، وشراء السيارات، والمنازل، وبيعها، والمرح مع أصدقائي، وشراء الأسلحة، وإنشاء العصابات، وعندما جمعت أموالا كثيرة في تلك اللعبة، قررت بيع حسابي في 2017، فاشتراه مني شخص بما يقارب 40د -لا أتذكر المبلغ تماما-، فأضفت ما يقارب 190د، واشتريت هاتفا بما يقارب 235د، ولكنني اليوم تذكرت أنني كنت في ذلك الحساب أقوم بعض الأحيان بشراء بطاقات (lottery)، وقد ربحت منها بعض الأموال، ولم يأت على بالي أن هذا قمار، كما أنني كنت ألعب في بعض الأحيان لعبة: (dice)، وربحت منها أموالا، ولم يكن في علمي أن ذلك قمار، وكنت في عصابة أسرق بعض الأموال من الأشخاص في اللعبة، وعندما تأتي أعيادهم -كالكرسمس، أو أي عيد من أعيادهم- كنت آخذ الهدايا، وأبيعها في اللعبة، وجنيت أموالا منها، كما أنه في اللعبة يجب عليك الذهاب إلى الكنيسة؛ لكي تتزوج، وقد ذهبت وتزوجت امرأة، وأنا نادم على كل تلك الأفعال التي ارتكبتها، وتبت توبة نصوحا، وبعد مرور سنتين من بيع حسابي، قررت بيع هاتفي ب180د، فهل يجب أن أتصدق بتلك الأموال التي حصلت عليها من بيع حسابي، وهي ما يقارب 40د، وأن أحتفظ ببقية الأموال، وهي (180-40= 140د)، أم ماذا أفعل؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد أحسن الأخ السائل في توبته توبة نصوحا من مثل هذه اللعبة، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منه، وأن يوفقه لما يحب ويرضى.
وأما ما سأل عنه من حكم التصدق بتلك الأموال التي حصلها من بيع حسابه المذكور.
فجواب ذلك يختلف بحسب حال السائل أثناء اللعب، وعند بيع حسابه، فإنه كان ساعتها يعتقد جواز ذلك، أو يجهل حكمه، فلا حرج عليه في المال المكتسب منها.
وأما إن كان يعلم حرمة اللعبة، وبيعها، فإنه إنه تاب بعد ذلك - كما هو حال السائل -، فوجوب تصدقه بهذا المال محل نظر واختلاف، والأولى -بلا ريب- هو أن يفعل ذلك؛ إبراء لذمته، وخروجا من الخلاف، وتكميلا لتوبته.
وأما الجزم بوجوب ذلك، فمحل خلاف.
والذي مال إليه شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر مؤلفاته: أنه لا يقطع بوجوب ذلك عليه، فقد ذكر - رحمه الله - في (تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء) حل المال الحرام للكافر الذي أسلم بعد كسبه، ثم قال: وأما المسلم، فله ثلاثة أحوال: تارة يعتقد حل بعض الأنواع باجتهاد، أو تقليد. وتارة يعامل بجهل، ولا يعلم أن ذلك ربا محرم. وتارة يقبض مع علمه بأن ذلك محرم:
أما الأول والثاني، ففيه قولان إذا تبين له فيما بعد أن ذلك ربا محرم: قيل: يرد ما قبض، كالغاصب، وقيل: لا يرده، وهو الأصح؛ لأنه كان يعتقد أن ذلك حلال، والكلام فيما إذا كان مختلفا فيه، مثل الحيل الربوية، فإذا كان الكافر إذا تاب، يغفر له ما استحله، ويباح له ما قبضه، فالمسلم المتأول إذا تاب، يغفر له ما استحله، ويباح له ما قبضه؛ لأن المسلم إذا تاب أولى أن يغفر له، إن كان قد أخذ بأحد قولي العلماء في حل ذلك، فهو في تأويله أعذر من الكافر في تأويله.
وأما المسلم الجاهل، فهو أبعد، لكن ينبغي أن يكون كذلك، فليس هو شرا من الكافر ...
فإذا قيل: هذا مختص بالكافرين. قيل: ليس في القرآن ما يدل على ذلك، إنما قال: {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف}، وهذا يتناول المسلم بطريق الأولى ... بل قد يقال: إن هذا يتناول من كان يعلم التحريم إذا جاءته موعظة من ربه فانتهى، فإن الله يغفر لمن تاب بتوبته، فيكون ما مضى من الفعل وجوده كعدمه، والآية تتناوله: {فله ما سلف وأمره إلى الله}، ويدل على ذلك قوله بعد هذا: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين} ... وهذه المسألة تحتاج إلى نظر وتحقيق.
وأما الذي لا ريب فيه عندي، فهو ما قبضه بتأويل، أو جهل، فهنا له ما سلف بلا ريب، كما دل عليه الكتاب، والسنة، والاعتبار، وأما مع العلم بالتحريم، فيحتاج إلى نظر ... وهذا ليس ببعيد عن أصول الشريعة، فإنها تفرق بين التائب وغير التائب .. اهـ.
والله أعلم.