السؤال
قال تعالى: "فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات"، هل كل السابقين بالخيرات يدخلون الجنة بغير حساب؟ وهل هم أعلى أناس في الجنة من المسلمين؟ وإذا تبت إلى الله توبة عامة من جميع الذنوب الماضية، والتزمت بفعل جميع الواجبات، وجميع المستحبات، والتزمت بترك جميع المحرمات، والمكروهات، والمشتبهات، وفضول المباحات، والتزمت بذلك طول العمر، فهل يعني هذا أنني قمت بالسبب الأكبر الذي يجعلني أدخل الجنة بغير حساب؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالسابقون بالخيرات هم أعلى الناس منزلة، ويدخلون الجنة بغير حساب، على ما روي من حديث أبي الدرداء مرفوعا في تفسير قوله تعالى: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير {فاطر:32}، قال: {فمنهم ظالم لنفسه} يعني الظالم يؤخذ منه في مقامه ذلك، فذلك الهم، والحزن. {ومنهم مقتصد} قال: يحاسب حسابا يسيرا. {ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله} قال: الذين يدخلون الجنة بغير حساب. رواه أحمد، والحاكم، وجماعة من المفسرين، كالطبري، وابن أبي حاتم، والثعلبي، والبغوي.
وله شاهد من حديث عوف بن مالك مرفوعا، بلفظ: أمتي ثلاث أثلاث: فثلث يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وثلث يحاسبون حسابا يسيرا ثم يدخلون الجنة، وثلث يمحصون ... رواه الطبراني في الكبير، وابن أبي حاتم، وابن الفاخر في موجبات الجنة.
وعنده شاهد آخر من حديث حذيفة مرفوعا، بلفظ: يبعث الله الناس ثلاثة أصناف، وذلك في قول الله: {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله}، فالسابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يحاسب حسابا يسيرا، والظالم لنفسه يدخل الجنة برحمة الله.
وقد صح ذلك عن بعض الصحابة في تفسير الآية، ففي صحيفة علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في هذه الآية، قال: هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ورثهم الله كل كتاب أنزله، فظالمهم يغفر له، ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب. اهـ.
وروى الطبري عن ابن مسعود، أنه قال: هذه الأمة ثلاثة أثلاث يوم القيامة: ثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حسابا يسيرا، وثلث يجيؤون بذنوب عظام .. اهـ.
ومن تاب توبة عامة، والتزم بجميع الواجبات، والمستحبات، وترك جميع المحرمات، والمكروهات، والمشتبهات، وفضول المباحات، والتزم بذلك طول العمر؛ حتى مات عليه، فهو من السابقين بلا ريب، بل هو من أفضلهم، وأعلاهم منزلة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
والله أعلم.