علاج وساوس العقيدة

0 27

السؤال

كيف للوسواس أن يؤثر في أعمال القلوب ؟ فقد ضاق علي الأمر كثيرا، فلا أستطيع التمييز بين إيماني وصدقي والوسوسة، -خاصة المتكرر منها-، فقد صارت ملازمة للذكر، والمشكلة أن الأمر ليس مجرد أفكار، وإنما مشاعر حقيرة كفرية استهزائية، لا تطاق، فكيف يوسوس الشيطان في أعمال القلب؟ فأنا لا أستطيع فهم ذلك.
والغريب العجيب في الموضوع أنني كل ما قرأت شيئا عن هذه الأمور، أجده جديدا علي، يضاف على مصيبتي بدلا من أن يقللها، فالأمر صار متعلقا بالصدقات والطاعات تارة، فأشعر أنها لن تقبل، وتارة أشعر أنني متحسرة على عمل خير، وتارة أشعر أنني متحسرة على ترك شر، رغم أنني فعلت كل ذلك بكامل إرادتي ورغبتي، وأنا لا أدري إن كان هذا الشعور حقيقيا في قلبي، أم وسوسة، وأعلم أنه إن كان حقيقيا، فستكون أعمالي هباء منثورا، وهذا الأمر أضاف مشقة علي، فأشعر أني كتلة من الذنوب لا حسنات فيها، وهذا أيضا شعور خاطئ مضر مخيف، فأنا في مأزق ديني إيماني يقيني مخيف.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فجزاك الله خيرا، وشكر سعيك، وزاد إيمانا، ويقينا، وتقوى، وعصمك من كل شر.

وبخصوص سؤالك السابق، فقد تمت الإجابة عنه ونشرت في الفتوى: 401860.

 وأما بخصوص الإجابة عن هذا السؤال: فأنت تعانين من وساوس شديدة، ولا بد من علاج هذه الوساوس، وقبل ذكر العلاج سنجيب عن سؤالك: كيف للوسواس أن يؤثر في أعمال القلوب ...؟

الوساوس كثيرة، ومختلفة، ومؤثرة، وتارة تكون في العبادات، مثل الطهارة، أو الصلاة، أو الصيام، أو الحج، أو الصدقة، وغيرها من العبادات...

وتارة تكون في التصورات، وفي الأفكار، وتارة تكون في الإيمان، والمعتقدات، أو في غير ذلك، وهذا كله مشاهد في دنيا الناس، والمهم هو كيفية التعامل مع الوسواس، وكيفية علاجه، ومن فضل الله تعالى ورحمته بنا أن تجاوز للإنسان عما حدثته به نفسه، ما لم يعمل به، أو يتكلم، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا، أو يعملوا به. ومعناه في البخاري، وغيره.

أما ما يتعلق بالأمور العقدية، مما يخطر على بال الإنسان، وتحدثه به نفسه، وتستعظمه، خوفا من النطق به، فضلا عن اعتقاده؛ فإنه دليل إيمانه؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: "وقد وجدتموه؟" قالوا: نعم، قال: "ذلك صريح الإيمان". رواه مسلم.

وبالتأمل في سؤالك، وجدنا أنك تعانين من وسواس شامل لا يقتصر على الأفكار والخواطر السيئة التي ترد حول الإيمان والعقيدة، ولكن عندك وساوس تنشط مع ملازمتك لذكر الله، ووساوس تشكك بالطاعات، والقربات، والصدقات، وتثبطك عن فعلها، وتقنطك من أجرها، ووساوس أخرى تشعرك بالذنب، والواضح أنها وساوس قهرية.

ومن أهم أسباب العلاج من هذا المرض، والتي تجعل علاجه سهلا ميسورا -بإذن الله-: أن يعلم مريض الوسواس بطبيعة هذا المرض، ويتفهمه، وأن تتولد عنده إرادة قوية للتخلص منه. 

ولتعلمي -أختي الكريمة- أنك على خير ما دمت تكرهين تلك الوساوس، وقلبك مطمئن بالإيمان، وأنت -بحمد الله- كما وصفت نفسك متمسكة بالدين، ومؤدية للفرائض، فلا تجعلي للشيطان عليك سبيلا، ولا تستسلمي لوسواسه أبدا، والعلاج المقترح يتمثل في التالي:

1- اجتهدي في طرح ما يخطر على قلبك، من تلك الأفكار، والوساوس، ولا تسترسلي معها، ولا تنقادي لها أبدا.

وقد سئل ابن حجر الهيتمي ـ رحمه الله ـ عن داء الوسوسة هل له دواء؟ فأجاب بقوله: "له دواء نافع، وهو الإعراض عنها جملة كافية، وإن كان في النفس من التردد ما كان، فإنه متى لم يلتفت لذلك، لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل، كما جرب ذلك الموفقون.

وأما من أصغى إليها، وعمل بقضيتها، فإنها لا تزال تزداد به؛ حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها، وأصغوا إليها، وإلى شيطانها الذي جاء التنبيه عليه منه صلى الله عليه وسلم بقوله: اتقوا وسواس الماء، الذي يقال له: الولهان؛ أي: لما فيه من شدة اللهو، والمبالغة فيه، كما بينت ذلك، وما يتعلق به في شرح مشكاة الأنوار. وجاء في الصحيحين ما يؤيد ما ذكرته، وهو أن من ابتلي بالوسوسة، فليعتقد بالله، ولينته، فتأمل هذا الدواء النافع الذي علمه من لا ينطق عن الهوى لأمته. انتهى من الفتاوى الفقهية الكبرى.

2- ألحي على الله تعالى في الدعاء بذل وانكسار أن يشفيك، وأن يرفع عنك هذا البلاء.

3- حصني نفسك من تلك الوساوس بالعلم النافع، واحضري دروس العلم، أو استمعي إليها مسجلة عبر الأشرطة، فالعلم سلاح يتقوى به المرء، ويطرد به ما قد يتسرب إلى نفسه من وساوس، واشغلي وقت الفراغ بما يعود عليك بالنفع، ولا تجلسي وحدك في عزلة، فتتسلط عليك الأفكار، واشغلي نفسك ببعض الأنشطة المفيدة. 

4- اقرئي القرآن بتدبر، وانوي الاستشفاء به، فقد قال تعالى: وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين {الإسراء:82}.

5- اذكري الله كثيرا، وعلى كل حال، وخصوصا الأذكار المخصوصة، كأذكار الصباح والمساء، والنوم، وأذكار الصلاة، وتجدينها وغيرها في كتاب: "حصن المسلم" للقحطاني.

قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله، فينبغي للعبد أن يثبت، ويصبر، ويلازم ما هو فيه من الذكر، والصلاة، ولا يضجر؛ لأنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان، قال تعالى: (إن كيد الشيطان كان ضعيفا) [النساء:76]، وكلما أراد العبد توجها إلى الله بقلبه، جاء الوسواس من أمور أخرى، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد أن يسير إلى الله، أراد قطع الطريق عليه. انتهى.

6- احرصي على اتخاذ صحبة صالحة من الفتيات المؤمنات، واشغلي نفسك معهن بالخير، واعبدي الله معهن.

7- كما أن الوسواس قد يكون سببه الإصابة بالعين، والحسد، أو المس، فعليك بالمداومة على قراءة الرقية الشرعية، وقد ينفع في علاجك الرقية على يد راق شرعي، ملتزم بالكتاب والسنة، فلا حرج في ذلك، مع الالتزام بالضوابط الشرعية في اللباس، وعدم الخلوة بالراقي ...إلخ.

وقد يكون الوسواس بسبب فعل بعض المعاصي، مع تكرارها، والإصرار عليها، فيجب التوبة منها.

وقد يكون السبب في الوساوس نفسيا، فتواصلي مع طبيب نفسي حاذق، أو طبيبة نفسية، مع امتلاء قلبك بالتوكل على الله، وأنه هو الشافي سبحانه، وما الطبيب والدواء إلا أسباب.

ويمكنك أن تتواصلي مع قسم الاستشارات في موقعنا. وللمزيد انظري الفتويين التاليتين: 51601، 55678.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة