السؤال
هل يجوز القول بأن الأنبياء، أو الصحابة لهم امتيازات؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود بالامتيازات: أي التفضيل والاصطفاء والاختيار. فهذا صحيح؛ فإن الأنبياء هم أفضل الناس وأشرفهم، وأكملهم خلقا وخلقا. وأصدقهم لهجة، خصهم الله تعالى بفضائل لا يلحقهم فيها أحد، كما قال تعالى: الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير {الحج:75}، وقال تعالى: وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار {ص:47}.
قال السعدي في تفسير قوله تعالى: الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس {الحج:75}: أي: يختار ويجتبي من الملائكة رسلا، ومن الناس رسلا، يكونون أزكى ذلك النوع، وأجمعه لصفات المجد، وأحقه بالاصطفاء، فالرسل لا يكونون إلا صفوة الخلق على الإطلاق. انتهى.
فقد جمع الله للأنبياء الفضل من أطرافه، ميزهم على خلقه من قبل النبوة، ثم زادهم فضلا عليهم بالنبوة، فلا يبلغ أحد منزلتهم، فهم أطهر البشر قلوبا وأصدقهم إيمانا، وأكملهم دينا وأحسنهم أخلاقا، وأقواهم صبرا، وأعظمهم رحمة، وأكثرهم علما، وأقواهم أجسادا، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
قال الغزالي: اعلم أن الرسالة أثرة علوية، وحظوة ربانية، وعطية إلهية، ...انتهى.
كما أن الصحابة -رضي الله عنهم- قد اصطفاهم الله تعالى وخصهم بخصائص لا يبلغها أحد بعدهم. كما قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم؛ فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه. أخرجه الإمام أحمد في المسند.
وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا أصحابي؛ فلوا أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه.
وروى الإمام أحمد في فضائل الصحابة عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فلمقام أحدهم ساعة خير من عبادة أحدكم أربعين سنة.
وفي الصحيحين من حديث البراء -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الأنصار: لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق. من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله.
ومن صفاتهم رضي الله عنهم:
أولا: أنهم خير القرون في جميع الأمم؛ روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم.
ثانيا: هم الواسطة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أمته، فمنهم تلقت الأمة عنه الشريعة.
ثالثا: ما كان على أيديهم من الفتوحات الواسعة العظيمة.
رابعا: أنهم نشروا الفضائل بين هذه الأمة؛ من الصدق والنصح والأخلاق والآداب، التي اجتمع لهم منها ما لا يوجد مجتمعا عند غيرهم. قال تعالى مثنيا عليهم: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم [التوبة: 100]، وقال تعالى: محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا [الفتح: 29]، وقال تعالى: لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة [الفتح: 18].
والله أعلم.