السؤال
يا شيخ: ما حكم من يقول بتأثير الألوان، فمثلا يقولون الألوان الفاتحة تعطي سعة للمكان، والألوان الغامقة عكس ذلك. ويقولون الألوان الغامقة تعطي شعورا بالدفء، والألوان الفاتحة عكس ذلك.
فما حكم من ظن أن هذا الكلام صحيح؟ هل هو من الاعتقادات الفاسدة التي يكفر صاحبها، أم هي أشياء عادية؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا بد هنا من التفريق بين إثبات أثر نسبي ومتفاوت للألوان في بعض النواحي الشكلية أو الجمالية، وبعض النواحي النفسية، كالشعور بالراحة أو بالسعة، أو بالبهجة والسرور. وبين إثبات أثر ذاتي للألوان، وارتباط كل لون بطاقة معينة إيجابية أو سليبة، مقترنة بما يعرف بالطاقة الكونية.
فالأمر الأول: أمر سائغ وشائع، وفي القرآن إشارة إلى أثر الألوان في قوله تعالى: بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين [البقرة: 69].
جاء في تفسير القرطبي: قال ابن عباس: الصفرة تسر النفس. وحض على لباس النعال الصفر، حكاه عنه النقاش. وقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: من لبس نعلي جلد أصفر قل همه؛ لأن الله تعالى يقول: {صفراء فاقع لونها تسر الناظرين}. حكاه عنه الثعلبي. ونهى ابن الزبير ومحمد بن أبي كثير عن لباس النعال السود؛ لأنها تهم. اهـ.
وجاء في تفسير مفاتيح الغيب: المعنى أن هذه البقرة لحسن لونها تسر من نظر إليها ... وأما السرور فإنه حالة نفسانية تعرض عند حصول اعتقاد، أو علم أو ظن بحصول شيء لذيذ أو نافع. اهـ.
وجاء في (فتح الباري) لابن حجر: قال المهلب: الصفرة أبهج الألوان إلى النفس. وقد أشار إلى ذلك ابن عباس في قوله تعالى {صفراء فاقع لونها تسر الناظرين}. اهـ.
وقال الشوكاني في فتح القدير: معنى {تسر الناظرين} تدخل عليهم السرور إذا نظروا إليها؛ إعجابا بها واستحسانا للونها. اهـ.
وقال الزرقاني في شرح المواهب اللدنية: في الأصفر من التفريح والسرور ما يشهد به قوله تعالى: {تسر الناظرين}. اهـ.
وكذلك في قوله تبارك وتعالى عن أهل الجنة: ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق [الكهف: 31].
قال ابن القيم في حادي الأرواح: أحسن الألوان الأخضر، وألين اللباس الحرير، فجمع لهم بين حسن منظر اللباس والتذاذ العين به، وبين نعومته والتذاذ الجسم به. اهـ. وراجعي للفائدة، الفتوى: 19905.
والمقصود أن اللون له أثر في تفاوت سرور النفس ولذة العين. ومن المعروف حاليا في فن العمارة أن اختيار اللون وحسن تنسيقه، وتوزيع درجاته: له أثر كبير في الشعور بالراحة وسعة المكان.
وأما الأمر الآخر: فهو أحد أشكال التأثر بالفلسفة الوثنية الشرقية عن الوجود وطرق الاستشفاء، حيث جعلوا لكل لون أثرا خاصا وطاقة خاصة، لا تحصل فقط بالتعرض له ومشاهدته، بل يحصل بمجرد تخيله في لحظات تأمل وتركيز بحيث يتخيل المريض اللون ويتخيل أنه حوله!! وراجعي في ذلك كتاب: (أثر الفلسفة الشرقية والعقائد الوثنية في برامج التدريب والاستشفاء العاصرة ص 79 ، 80). للأستاذة الدكتورة/ فوز بنت عبد اللطيف كردي. ولها أيضا مقال مختصر بعنوان: (حقيقة تأثير الألوان في النفس). ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين: 327469، 196917.
وهذا الأمر الثاني هو المذموم المخالف للشرع، وقد يفعله بعض المسلمين جهلا بأصله من باب التقليد دون انطواء على اعتقاد كفري، فلا يكفر صاحبه، بخلاف من اعتقد أن للألوان تأثيرا ذاتيا، وأن في الكون فاعلا مدبرا دون الله تعالى.
والله أعلم.