السؤال
عندي سؤال يخيفني بشدة، وأرجو إفادتي أنا أريد التقدم لفتاة للزواج منها، وكنت أشك أنها من مستوى اجتماعي أعلى مني، وكنت خائفا أن يتم رفضي، فكنت أدعو الله في صلاتي أن لا تكون عائلتها أغنى أو أعلى من مستوى عائلتي البسيطة، وكنت أدعو إذا كانت أعلى مني، أن يجعلنا الله مثلهم، هذا قبل أن أعرف مستواها حقا، بعد ما تم التعرف عليها، ورأيت بالفعل أن مستواها أعلى بكثير، وكنت أسأل عن أشياء تشتريها، وأحاول أعرف مثلا نوعا الهاتف، وهكذا فبعدما علمت انكسر هاتفها، وأنا دائما أسأل بصورة غير مباشرة، وأقارن بينها وبين نفسي للأسف وفي موقف مشابه انكسر جهاز ضغط بعدما سألت عن نوعه رغم أنني لن أستفيد بسؤالي شيئا، وكان هدفي المقارنة، وأنا أحبها، وعندي إحساس أنني آذيتها وحسدتها، وتسببت بإتلاف أشياء لها بحسدي، لأني كنت أنطق ما أفكر به بلساني أنها مثلا عندها، وأنا الآن نادم. وسؤالي أعلم أن من أفسد شيء لأحد عليه تعويضه، والتحلل منه حتى يقبل الله توبته. فهل من شروط توبتي من الحسد أن أصلح ما تم إتلافه بسبب حسدي لتلك الفتاة ؟ علما أني لم أتلفه بيدي، وهل يجب علي إخبارها أني حسدتها وأطلب منها العفو منها حتى يقبل الله توبتي مع العلم أني لا أقدر على ذلك حتى لا تتركني ؟ أرجو الرد بوضوح على سؤالي.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب على المسلم أن يحذر كل الحذر أن يكون سببا في أذية أحد من المسلمين في نفسه أو في أهله أو في ماله، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه. رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. أخرجه مالك في الموطأ.
وحتى مع عدم قصد الضرر، لأن العين يحصل ضررها من الصديق ومن العدو.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: ...العين تكون مع الإعجاب ولو بغير حسد, ولو من الرجل المحب, ومن الرجل الصالح, و..الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إلى الدعاء للذي يعجبه بالبركة, ويكون ذلك رقية منه. اهـ.
ومما يدفع المسلم به الضرر الذي قد يلحق الناس من حسده أنه كلما رأى شيئا يعجبه دعا لصاحبه بالبركة، وقال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله.
قال الإمام ابن القيم في زاد المعاد: وإذا كان العائن يخشى ضرر عينه وإصابتها للمعين، فليدفع شرها بقوله: اللهم بارك عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعامر بن ربيعة لما عان سهل بن حنيف: "ألا بركت عليه" أي: قلت: اللهم بارك عليه. وروى هشام بن عروة عن أبيه أنه كان إذا رأى شيئا يعجبه، أو دخل حائطا من حيطانه قال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله. انتهى.
وراجع الفتوى: 24373. ولا يلزمك ضمان لما تظن أنه تلف بسبب حسدك وإصابتك له بالعين، وراجع في ذلك الفتوى: 48731.
ولا يلزم أن يكون السبب هو العين فقط، بل ربما وجد أكثر من سبب، هذا مع يترتب على إخبارك لها من نفارها منك إن كنت ترغب في الزواج منها.
وهنا ننبهك إلى الحذر كل الحذر من الخلوة بها ومخاطبتها بلا حاجة قبل أن تعقد عليها القران، فقد حذر الشرع من ذلك لما قد ينجر عنه من مفاسد عظيمة، وراجع الفتوى: 57291.
ثم اعلم أن انتباه الإنسان لما قد يحصل منه، أمر حسن ما لم يبلغ حد الوسوسة، فليعرض عن ذلك حتى لا ينجر به إلى مزالق لا تحمد عاقبتها.
والله أعلم.