السؤال
هناك مسجدان. الأول: فيه مصلون كثر، فيصعب الصلاة في الصف الأول، ولكن تكون الصلاة خاشعة.
والثاني: على العكس فيسهل الصلاة في الصف الأول، ولكن الإمام لا يحسن القراءة بالتجويد، ولكن لا يخل بالمعنى.
في أي المسجدين تفضل الصلاة؟
هناك مسجدان. الأول: فيه مصلون كثر، فيصعب الصلاة في الصف الأول، ولكن تكون الصلاة خاشعة.
والثاني: على العكس فيسهل الصلاة في الصف الأول، ولكن الإمام لا يحسن القراءة بالتجويد، ولكن لا يخل بالمعنى.
في أي المسجدين تفضل الصلاة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نجد نصا صريحا لأهل العلم في المفاضلة بين هذين الأمرين المذكورين في السؤال، ولكنك ذكرت مزيتين يختص بهما أحد هذين المسجدين قد يكون لهما اعتبار في تفضيل الصلاة فيه، إحدى المزيتين هي أنه أكثر جماعة، وهذه المزية موجبة لتفضيل الصلاة فيه؛ لحديث أبي بن كعب -رضي الله عنه- المخرج عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه وحسنه الألباني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله عز وجل.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: وفعل الصلاة فيما كثر فيه الجمع من المساجد أفضل؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل؛ وما كان أكثر، فهو أحب إلى الله تعالى. رواه أحمد في المسند، فإن تساويا في الجماعة ففعلها في المسجد العتيق أفضل؛ لأن العبادة فيه أكثر. وإن كان في جواره أو غير جواره مسجد لا تنعقد الجماعة فيه إلا بحضوره ففعلها فيه أولى؛ لأنه يعمره بإقامة الجماعة فيه، ويحصلها لمن يصلي فيه. وإن كانت تقام فيه، وكان في قصده غيره كسر قلب إمامه أو جماعته، فجبر قلوبهم أولى، وإن لم يكن كذلك فهل الأفضل قصد الأبعد أو الأقرب؟ فيه روايتان: إحداهما قصد الأبعد؛ لتكثر خطاه في طلب الثواب فتكثر حسناته. والثانية الأقرب لأن له جوارا، فكان أحق بصلاته كما أن الجار أحق بهدية جاره ومعروفه من البعيد ... اهـــ
وفى المجموع للنووي الشافعي: فإن كان هناك مساجد فذهابه إلى أكثرها جماعة أفضل للحديث المذكور. انتهى
والمزية الثانية هي أن إمام هذا المسجد الأكثر جماعة حسن القراءة، حسن الصوت، وينتج عن ذلك الخشوع وحضور القلب، فهذه المزية أيضا لها اعتبارها في الأفضلية.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: مسألة: إذا قال قائل: إذا كان المسجد البعيد أحسن قراءة، ويحصل لي من الخشوع ما لا يحصل لي لو صليت في مسجدي القريب مني، فهل الأفضل أن أذهب إليه وأدع مسجدي أو بالعكس؟ الجواب: الظاهر لي حسب القاعدة أن الفضل المتعلق بذات العبادة أولى بالمراعاة من الفضل المتعلق بمكانها، ومعلوم أنه إذا كان أخشع، فإن الأفضل أن تذهب إليه، خصوصا إذا كان إمام مسجدك لا يتأنى في الصلاة أو يلحن كثيرا أو ما أشبه ذلك من الأشياء التي توجب أن يتحول الإنسان عن مسجده من أجلها. انتهى
وبناء على ذلك، فالذي يظهر أن الأفضل في حقك أن تصلي في المسجد الأكثر جماعة لما تقدم تقريره، خاصة أنه بإمكانك الصلاة في صفه الأول إذا اجتهدت.
واعلم أن شدة الحرص على الصلاة في الصف الأول دليل على رغبة الشخص في الخير والأجر، كما أن ذلك دليل أيضا على قوة إيمانه، وتصديقه بما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الحث الذي يتضمن كثرة أجر المصلين في أوائل الصفوف حيث يقول -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة: لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا.
فهنيئا لك حرصك على الصلاة في الصف الأول، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منكم صالح الأعمال، وأن يجعل أعمالكم خالصة لوجهه سبحانه وتعالى.
وليجتهد العبد في إدراك الصف الأول، وليحرص على ذلك أشد الحرص، فإن لم يتمكن من إدراك الصف الأول رغم اجتهاده وسعيه في تحقيق ذلك، حصل له ثواب من صلى في الصف الأول بإذن الله تعالى، ومن جاء إلى المسجد مبكرا فله أجر تبكيره، ولو صلى في آخر الصفوف، كما أن له أجر نيته واجتهاده. كما بيناه في الفتوى رقم: 97737.
والله أعلم.