0 47

السؤال

هل كان الصحابة يخرجون مع بعضهم للنزهة، والترفيه عن النفس، فمثلا الآن الناس يخرجون للحدائق والمولات، أو يسافرون إلى أماكن معينة، فهل ورد ذلك عن بعض الصحابة، أم إنهم مشغولون بأمور أهم من ذلك؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالترفيه يختلف باختلاف الأزمنة، والأمكنة، والأحوال، والناس يتفاوتون في قدر اشتغالهم بالترفيه، والترويح؛ فأصحاب الهمم العالية كالصحابة -رضي الله عنهم- ليسوا في ذلك كالبطالين، والفارغين.

ولعله غير خاف أن الترفيه في زماننا قد تطور، وأصبح صناعة من الصناعات السائدة التي يقوم عليها اقتصادات دول، بما فيها من عجر وبجر، ولا شك أنه لم يكن مثلها موجودا في الأعصر الخالية.

والمهم معرفته في مسألة الترفيه هو: أنه لا حرج على المسلم في الترويح عن النفس، في أي مجال من مجالات الترفيه المباحة، بل قد يثاب على ترويحه عن نفسه في المباح إذا احتسبه، وجعله معونة له على العبادة والجد، وإنما المذموم هو المبالغة في الترويح والترفيه حتى يشغل العبد بها عن معالي الأمور، قال ابن تيمية: وقد روى أبو حاتم البستي في صحيحه حديث أبي ذر -رضي الله عنه- الطويل: عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي فيه من أنواع العلم والحكمة - وفيه: أنه كان في حكمة آل داود -عليه السلام-: {حق على العاقل أن تكون له أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها بأصحابه الذين يخبرونه بعيوبه، ويحدثونه عن ذات نفسه، وساعة يخلو فيها بلذته فيما يحل ويجمل؛ فإن في هذه الساعة عونا على تلك الساعات}.

فبين أنه لا بد من اللذات المباحة الجميلة، فإنها تعين على تلك الأمور. وكان أبو الدرداء -رضي الله عنه- يقول: إني لأستجم نفسي بالشيء من الباطل؛ لأستعين به على الحق.

والله سبحانه إنما خلق اللذات والشهوات في الأصل لتمام مصلحة الخلق؛ فإنه بذلك يجتلبون ما ينفعهم، كما خلق الغضب ليدفعوا به ما يضرهم، وحرم من الشهوات ما يضر تناوله، وذم من اقتصر عليها.

فأما من استعان بالمباح الجميل على الحق، فهذا من الأعمال الصالحة؛ ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {في بضع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أما يكون عليه وزر؟ قالوا: بلى. قال: فلم تحتسبون بالحرام ولا تحتسبون بالحلال}. اهـ. باختصار من مجموع الفتاوى.

وراجع للفائدة الفتوى: 33294.

 والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة