السؤال
أنا طبيبة أطفال. في إحدى مناوباتي كان هناك رضيع يحتاج عملية تغيير دم، وهذا الأمر يحتاج نوعية دم كامل، استفسرت من المختبر عن وجود هذه النوعية، فأخبروني بتوفره، فطلبت منهم تحضيره. بعد 10 دقائق تتصل بي المخبرية تخبرني أن الدم يحتاج بعض التحاليل السريعة فقلت لها لا بأس بذلك. تمت العملية كما ينبغي. بعد 12 ساعة توفي الرضيع، عندما سمعت المخبرية الخبر أخبرتنا بأن النوعية ليست هي المطلوبة، وقالت بأنها أخبرتني عبر الهاتف بالأمر عندما اتصلت لتخبرني على التحاليل، وأنا أتذكر جيدا أنني لم أسمع بهذا الأمر.
الآن ماذا علي أن أفعل؟ هل أعتبر مذنبة لأنني لم أسمعها، أو لم أنتبه لكلامها؟ مع أنني قمت بعملي جيدا. أنا خائفة أن ألقى الله، وأنا حاملة هذا الذنب. أفيدوني أرجوكم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما من ناحية الإثم أو المسئولية في الآخرة، فقد رفع الله تعالى عنا المؤاخذة بالخطأ والنسيان، كما قال سبحانه: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطانا [البقرة/286] وثبت في الحديث أن الله تعالى قال: قد فعلت. رواه مسلم.
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه، وصححه الألباني. وراجع الفتوى: 114165.
ومع رفع الإثم، فإن المسئولية الدنيوية لا ترفع، فيجب ضمان التسبب في هذا القتل، وراجعي الفتوى: 129756.
وإذا ثبت أن سبب موت هذا الطفل هو أن نوعية الدم الذي نقل إليه ليست هي المطلوبة، فهو قتل بالتسبب، فيجب فيه الدية اتفاقا، وأما كفارة القتل فمحل خلاف بين أهل العلم.
جاء في الموسوعة الفقهية: ذهب الحنفية إلى أن القتل بالتسبب هو القتل نتيجة حفر البئر، أو وضع الحجر في غير ملكه وفنائه، وأمثالهما، فيعطب به إنسان ويقتل، وموجب ذلك الدية على العاقلة لا غير؛ لأنه متعد فيما وضعه وحفره، فجعل الحافر دافعا موقعا، فتجب الدية على العاقلة، ولا يأثم فيه لعدم القصد، ولا كفارة عليه؛ لأنه لم يقتل حقيقة، وإنما ألحق بالقاتل في حق الضمان، فبقي ما وراء ذلك على الأصل، وبذلك قضى شريح بمحضر من الصحابة من غير نكير. اهـ.
وأما عند الجمهور فيجب مع الدية كفارة القتل أيضا، جاء في الموسوعة الفقهية: اختلف الفقهاء في وجوب الكفارة في القتل بالتسبب على قولين: فذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى وجوب الكفارة في القتل بالتسبب. واستدلوا بقوله تعالى: {ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة} ، فقد أوجب الله تعالى الكفارة في القتل الخطأ دون تفرقة بين كون القتل قد وقع على سبيل المباشرة أو التسبب. ولأنه قتل آدميا ممنوعا من قتله لحرمته، فوجب عليه الكفارة كما لو قتله بالمباشرة. ولأن السبب كالمباشرة في إيجاب الضمان، فكان كالمباشرة في إيجاب الكفارة. ولأن فعل القاتل سبب لإتلاف الآدمي يتعلق به ضمانه، فتعلقت به الكفارة، كما لو كان راكبا فأوطأ دابته إنسانا. اهـ.
وبقيت المسألة الشائكة، وهي تعيين المتسبب في هذا القتل، وهل هو تقصير من الطبيبة أو من المخبرية أو منهما معا؟ وهذا يحتاج إلى أمرين:
أولهما: حكم أهل الخبرة في مراعاة كل من المخبرية والطبيبة للإجراءات المعمول بها في المستشفيات في مثل هذه الأحوال.
وثانيهما: التحقيق في الواقع الذي حصل، وهل قامت كل منهما بالواجب عليها أو لا؟
وذلك لتحديد المسئولية التقصيرية المتسببة في الوفاة. وهذا في الواقع أمر قضائي يحتاج إلى سماع وشهود وبينات، ومراجعة لأهل الخبرة في المجال الطبي.
والله أعلم.