السؤال
جاء في فضل آية الكرسي أحاديث كثيرة، واستوقفني حديث في مسند أحمد وهو: أن آية الكرسي لها لسان، وشفتان، تقدس الملك عند ساق العرش.
لم أفهم كيفية ذلك، خصوصا أن القرآن كلام الله، وهو غير مخلوق. وهذا مذهبنا نحن أهل السنة والجماعة، فكيف يكون القرآن غير مخلوق، وهذه الآية تقدس الله في نفس الوقت، وهو كلامه عز وجل؟ فهل هذه الآية تقدس الله بنفسه، أي هو يقدس نفسه؛ لأن القرآن كلام الله أم ماذا؟
لقد أشكل علي الحديث حقيقة، وأود تفسير معنى أن لها لسانا وشفتين، تقدس الملك عند ساق العرش؟ وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث رواه أحمد في مسنده، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.
ولا يعارض هذا الحديث ما يعتقده أهل السنة من كون القرآن كلام الله غير مخلوق، فإن تأويله -كما ستراه من كلام أهل العلم- أن الله يخلق مخلوقا يتجسد في صورة آية الكرسي، يكون له لسان وشفتان، يسبح الله، وقد ورد نظير هذا في نصوص كثيرة، وللحديث تأويلات أخرى، كما ستراه في كلام أهل العلم.
وقد أورد الجهمية هذا على الإمام أحمد في مناظرته، قال الإمام أحمد: قال: فكان هذا يقول شيئا، وهذا يقول شيئا، وهذا يقول شيئا، فقال لي واحد منهم: أليس يروى عن أبي السليل، عن عبد الله بن رباح، عن أبي بن كعب؟ -يريد هذا الحديث المذكور في السؤال؛ فإن أحمد رواه بهذا الإسناد-، فقلت: وأنت ما يدريك من أبو السليل؟ ومن عبد الله بن رباح؟ وما لك ولهذا؟ قال: فسكت.
وقال لي آخر: "ما خلق الله من سماء، ولا أرض، أعظم من آية الكرسي"، فقلت: إنما هذا مثل. فسكت. انتهى.
وتكلم شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- على هذا الحديث في نقده لتأسيس الرازي، فقال ما لفظه: لفظ الحديث الذي ذكر عن أبي -رضي الله عنه- على ما رواه مسلم في صحيحه، عن عبد الله بن رباح، عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا المنذر، أتدري أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: قلت: الله لا إله إلا هو الحي القيوم. قال: فضرب في صدري، وقال: ليهنك العلم يا أبا المنذر. وهكذا رواه أبو داود في سننه، والإمام أحمد في مسنده. زاد أبو مسعود الدمشقي صاحب أطراف البخاري ومسلم: والذي نفسي بيده، إن لهذه الآية لسانا، وشفتين، تقدس الملك عند ساق العرش. لكن هذه الزيادة ليست موجودة فيما بأيدي الناس من صحيح مسلم، لكن رواها الإمام أحمد عن أبي بكر بن أبي شيبة، ورواها ابن أبي شيبة في مصنفه. ذكر هذا عبد الحق في الجمع بين الصحيحين، والقول في ذلك كالقول فيما تقدم من مجيء القرآن والأعمال الصالحة، كما تقدم بيانه.
ونظير ذلك ما ورد من أن للكلم الطيب حول العرش دويا، كما ورد: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، إن لها دويا حول العرش تذكر بصاحبها. وما يشبه هذا ما روي عن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقيت إبراهيم ليلة أسري بي، فقال: يا محمد، أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. قال الترمذي: حديث حسن. فمعلوم أنه ليس المعنى الظاهر من هذا الباب أن نفس العمل، أو القول الذي يقوم بالقائل، والقائل هو نفس شجر الجنة، ولكن يظهر منه أن هذا الكلام يصير منه شجر في الجنة، فيغرسه الله غراسا في الجنة كلما تكلم العبد بهذه الكلمات، غرس له غراس. هذا هو المعنى الذي يظهر منه، سواء كان الله تعالى يصور نفس هذا العمل ذلك الغراس، كما يصور من الحب والنوى شجرا، ومن المني حيوانا. أو كان بذلك العمل يخلق شجرا، وإن لم يكن من نفسه. انتهى.
وقال المظهري في تفسيره: لعل معنى هذا الحديث: أن حملة العرش يقدسون الله بهذه الآية، والظاهر أن يقال: لكل شيء صورة في المثال؛ حتى القرآن، وآياته، ورمضان، وغير ذلك. انتهى.
وعلى هذا؛ فلا إشكال، ولا تعارض بين ما ورد في الحديث، وبين ما يعتقده أهل السنة من كون القرآن كلام الله غير مخلوق.
والله أعلم.