السؤال
أنا طالبة في تخصص مختلط، ومشكلتي أني نقلت لزميلتي خبرا سمعته من أحد الطلاب: أن فلانة أرسلت صورتها لفلان من دفعتنا، وأتذكر أني قلت لها: إنني لست متأكدة من كلامي، وبعد فترة سألتها: هل أخبرت أحد، فقالت: نعم، فطلبت منها أن تنكر ما قالته، وتخبر أني قلت لها: إنني لست متأكدة من كلامي، فقالت لي: لم تقولي لي ذلك، وشككتني، وحسب كلامها فعلت، وأنكرت ما قالته عند البنات الأخريات، وأنا نادمة من فعلتي، ومن المفترض ألا أذكر شيئا من هذا؛ حتى لو كان صحيحا، وقلتم لي: اطلبي منها السماح بالإجمال، ولا تقولي ما فعلته، ولكني لم أتواصل معها منذ فترة، وخفت أن أقول لها: سامحيني، فتسأل: لماذا؟ وتفتح لي أبوابا، أو تخبر من في الدفعة أنني طلبت منها السماح، وأدخل في مشاكل، ومن المحتمل أن تكون فعلت هي ذلك الفعل، فهل يكفيني الاستغفار، وألا أطلب منها السماح أو غيره؟ ووالله، إني في حالة لا يعلمها إلا الله، وقلقة، وأنا أول مرة أفعل مثل هذا الفعل.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت بندمك مما فعلت؛ فالكلام عن الشخص بسوء عند غيبته، غيبة محرمة.
وإن لم يكن هذا الشيء المذكور واقعا منه، فهو بهتان، وهو أشد وأعظم إثما من الغيبة، روى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال ذكرك أخاك بما يكره. قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول! قال: إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه، فقد بهته.
قال الخادمي في كتابه: بريقة محمودية: البهتان أشد من الغيبة. اهـ.
فالواجب التوبة من ذلك، وقد بينا شروط التوبة في الفتوى: 29785. وهنالك خلاف في الحقوق المعنوية الغيبة هل يجب استسماح أصحابها أو لا، والراجح أنه لا يجب، وأنه يكفي الدعاء، والاستغفار لهم، ونحو ذلك، وهو اختيار ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، قال السفاريني ـ رحمه الله -: قال الإمام ابن القيم في كتابه الكلم الطيب: يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن من كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته، تقول: اللهم اغفر لنا وله ـ ذكره البيهقي في الدعوات، وقال: في إسناده ضعف، قال ابن القيم: وهذه المسألة فيها قولان للعلماء، هما روايتان عن الإمام أحمد، وهما هل يكفي في التوبة من الغيبة الاستغفار للمغتاب أم لا بد من إعلامه وتحلله؟ قال: والصحيح أنه لا يحتاج إلى إعلامه، بل يكفيه الاستغفار له، وذكره بمحاسن ما فيه في المواطن التي اغتابه فيها، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وغيره، قال: والذين قالوا: لا بد من إعلامه، جعلوا الغيبة كالحقوق المالية، والفرق بينهما ظاهر؛ فإن في الحقوق المالية ينتفع المظلوم بعود نظير مظلمته إليه، فإن شاء أخذها، وإن شاء تصدق بها، وأما في الغيبة، فلا يمكن ذلك، ولا يحصل له بإعلامه إلا عكس مقصد الشارع؛ فإنه يوغر صدره، ويؤذيه إذا سمع ما رمي به، ولعله يهيج عداوته، ولا يصفو له أبدا، وما كان هذا سبيله، فالشارع الحكيم لا يبيحه، ولا يجيزه، فضلا عن أن يوجبه، ويأمر به، ومدار الشريعة على تعطيل المفاسد وتقليلها، لا على تحصيلها وتكميلها. انتهى.
وننصحك بأن تكوني على حذر من العودة لمثل هذا الفعل في المستقبل، واحرصي على حفظ اللسان، وترك الكلام فيما لا يعنيك. وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى: 328021.
وننبه إلى خطورة الدراسة المختلطة، وأنها لا تجوز، إلا إذا دعت إليها ضرورة، أو حاجة، وأمن الطالب الفتنة على نفسه، وراجعي الفتوى: 2523، والفتوى: 5310.
والله أعلم.