خطورة قصر الجهمية والمرجئة للإيمان على المعرفة والتصديق

0 28

السؤال

قرأت مؤخرا التالي: قال الحميدي: أخبرت أن قوما يقولون: إن من أقر بالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، حتى الموت، ما لم يكن جاحدا بقلبه أنه مؤمن. فقلت: هذا الكفر بالله الصراح، وخلاف كتاب الله وسنة رسوله، وفعل المسلمين.
وقال حنبل: قال أبوعبد الله أحمد بن حنبل: من قال هذا فقد كفر بالله، ورد على الله أمره، وعلى الرسول ما جاء به.
فهلا وضحتم لي سبب التكفير؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقول الحميدي وأحمد قد أخرجه الخلال في كتاب السنة في باب (تفسير الزيادة والنقصان في الإيمان) واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة في باب (جماع الكلام في الإيمان). وكذلك ذكره شيخ الإسلام في كتاب الإيمان الكبير، في أبواب بيان ما يتعلق بالإرجاء.
فالكفر المذكور في هذا الأثر متعلق بالخطأ المحض في تعريف الإيمان، وهو خطأ الجهمية الذين يقولون بأن الإيمان هو المعرفة أو التصديق أو مجرد الإقرار!

وهذا قول غلاة المرجئة كالجهمية وليس كل المرجئة، ولذلك فرق الإمام أحمد بين المرجئة والجهمية.

فروى الخلال -أيضا- في كتاب السنة عن حمدان الوراق قال: سألت أحمد -وذكر عنده المرجئة- فقلت له: إنهم يقولون: إذا عرف الرجل ربه بقلبه، فهو مؤمن. فقال: "المرجئة لا تقول هذا، بل الجهمية تقول بهذا، المرجئة تقول: حتى يتكلم بلسانه، وتعمل جوارحه، والجهمية تقول: إذا عرف ربه بقلبه، وإن لم تعمل جوارحه، وهذا كفر إبليس، قد عرف ربه، فقال: رب بما أغويتني. اهـ.
والإمام أحمد وأئمة السلف لا يحفظ عنهم تكفير المرجئة عموما، وإن كان روي عنهم تكفير خصوص الجهمية القائلين بأن الإيمان هو التصديق أو المعرفة فقط.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: هذا القول حكوه عن الجهم بن صفوان، ذكروا أنه قال: الإيمان مجرد معرفة القلب، وإن لم يقر بلسانه. واشتد نكيرهم لذلك، حتى أطلق وكيع بن الجراح وأحمد بن حنبل وغيرهما كفر من قال ذلك؛ فإنه من أقوال الجهمية؛ وقالوا: إن فرعون وإبليس وأبا طالب واليهود وأمثالهم؛ عرفوا بقلوبهم وجحدوا بألسنتهم؛ فقد كانوا مؤمنين!! اهـ.
وهذا أقرب ما يحمل عليه الأثر الذي نقله السائل، فهذا الكفر متعلق بقول جهم وأتباعه في الإيمان.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: التصديق الذي لا يكون معه شيء من ذلك -يعني أعمال القلوب من المحبة والخشية ونحوها- ليس إيمانا البتة، بل هو كتصديق فرعون واليهود وإبليس، وهذا هو الذي أنكره السلف على الجهمية.

قال الحميدي: سمعت وكيعا يقول: أهل السنة يقولون: الإيمان قول وعمل، والمرجئة يقولون: الإيمان قول. والجهمية يقولون: الإيمان المعرفة. وفي رواية أخرى عنه: وهذا كفر.

 قال محمد بن عمر الكلابي: سمعت وكيعا يقول: الجهمية شر من القدرية. قال: وقال وكيع: المرجئة الذين يقولون: الإقرار يجزئ عن العمل؛ ومن قال هذا فقد هلك؛ ومن قال: النية تجزئ عن العمل، فهو كفر. وهو قول جهم، وكذلك قال أحمد بن حنبل. اهـ.
وقد سبق لنا بيان حقيقة الإيمان عند الجهمية، وذلك في الفتوى: 364090. وراجع للأهمية، الفتوى: 364777.

وهنا لا بد من التنبيه على أن هذا التكفير إنما هو للنوع لا للعين، فليس كل من قال بقول جهم في الإيمان يحكم بكفره عينا، وإن كان القول في نفسه كفرا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والتحقيق في هذا أن القول قد يكون كفرا كمقالات الجهمية .. ولكن قد يخفى على بعض الناس أنه كفر، فيطلق القول بتكفير القائل، كما قال السلف: من قال القرآن مخلوق، فهو كافر. ومن قال: إن الله لا يرى في الآخرة، فهو كافر. ولا يكفر الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة كما تقدم، كمن جحد وجوب الصلاة والزكاة واستحل الخمر والزنا وتأول، فإن ظهور تلك الأحكام بين المسلمين أعظم من ظهور هذه، فإذا كان المتأول المخطئ في تلك لا يحكم بكفره إلا بعد البيان له واستتابته، كما فعل الصحابة في الطائفة الذين استحلوا الخمر، ففي غير ذلك أولى وأحرى. اهـ.

وقال أيضا: أحمد لم يكفر أعيان الجهمية، ولا كل من قال: إنه جهمي، كفره، ولا كل من وافق الجهمية في بعض بدعهم، بل صلى خلف الجهمية الذين دعوا إلى قولهم، وامتحنوا الناس وعاقبوا من لم يوافقهم بالعقوبات الغليظة، لم يكفرهم أحمد وأمثاله. اهـ.

وقال أيضا: ثبوت التكفير في حق الشخص المعين، موقوف على قيام الحجة التي يكفر تاركها، وإن أطلق القول بتكفير من يقول ذلك فهو مثل إطلاق القول بنصوص الوعيد، مع أن ثبوت حكم الوعيد في حق الشخص المعين موقوف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه. ولهذا أطلق الأئمة القول بالتكفير، مع أنهم لم يحكموا في عين كل قائل بحكم الكفار ...

وأشهر الأئمة بذلك الإمام أحمد، وكلامه في تكفير الجهمية مع معامتله مع الذين امتحنوه وحبسوه وضربوه، مشهور معروف. اهـ.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة