السؤال
قرأت مقالات أثناء دراستي عن البيئة في الإسلام، ولكن لم أجد جوابا، وأريد أن أبين تفوق الإسلام في الحفاظ على البيئة من خلال هذا الجواب. يحرم إفساد البيئة (أو ما يسمى بالفطرة الطبيعية) عند وقوع الضرر المباشر على الناس (كإلقاء نفايات المصانع في نهر يشرب منه الناس). لكن إذا لم يعد ضررا مباشرا على الناس كأن يقطع، أو يحرق شجرا بلا حاجة، أو يصيد حيوانا للترفيه، أو يقتل حشرة في الغابة، أو يبيد أمة من الحيوانات كالكلاب.
فهل هذا حرام أم مكروه؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن شريعة الإسلام قد سبقت القوانين الوضعية كلها في المحافظة على البيئة والحيوان; كما بيناه في الفتوى: 16689 فقد جاء الشرع بالمنع من قتل الحيوانات لغير منفعة معتبرة، ونص الفقهاء على كراهة الصيد للتلهي.
جاء في الموسوعة الفقهية: ويكره الصيد إذا كان الغرض منه التلهي والعبث ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا. أي هدفا.. اهــ.
وجاء الشرع بالمنع من قضاء الحاجة في أماكن استظلال الناس وطرقاتهم وموارد مياههم، وانظر الفتوى: 38199.
كما جاء الشرع بالترغيب في سقي الحيوانات والرفق بها، ورتب على ذلك الأجر العظيم.
جاء في الموسوعة الفقهية: مما ورد في الرفق بالحيوانات النهي عن صبرها وتعذيبها، وبيان فضل ساقيها والإنفاق عليها، سواء أكانت من الأنعام أم من غيرها. فمما ورد في النهي عن صبر البهائم ما أخرجه مسلم في صحيحه أن ابن عمر مر بفتيان من قريش، قد نصبوا طيرا وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا. وعن جابر بن عبد الله قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل شيء من الدواب صبرا.
وروي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا.
ومعنى صبر البهائم كما قال العلماء: أن تحبس وهي حية؛ لتقتل بالرمي ونحوه. وهو معنى: لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا. أي لا تتخذوا الحيوان غرضا ترمون إليه كالغرض (أي الهدف) من الجلود وغيرها، وهذا النهي للتحريم. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في رواية ابن عمر: لعن الله من فعل هذا؛ ولأنه تعذيب للحيوان، وتضييع لماليته، وتفويت لذكاته إن كان مذكى، ولمنفعته إن لم يكن مذكى حتى ما يذبح من الحيوان لأكله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالرفق به، بإحداد الشفرة وإراحة الذبيحة. قال صلى الله عليه وسلم: إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته.
ومما ورد في فضل من سقى حيوانا رفقا به، ما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي، فنزل البئر فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له، قالوا: يا رسول الله؛ وإن لنا في البهائم أجرا؟ فقال: في كل ذات كبد رطبة أجر ... اهــ.
وجاء في الموسوعة أيضا: يحرم اتخاذ شيء فيه الروح غرضا. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا. أي لا تتخذوا الحيوان الحي غرضا ترمون إليه كالغرض من الجلود وغيرها، وهذا النهي للتحريم؛ لأنه أصله. ويؤيده حديث ابن عمر أنه مر بنفر قد نصبوا دجاجة يترامونها، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا عنها. فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من فعل هذا.
وروى مسلم من حديث هشام بن زيد بن أنس بن مالك أنه قال: دخلت مع جدي أنس بن مالك دار الحكم بن أيوب، فإذا قوم قد نصبوا دجاجة يرمونها. قال: فقال أنس: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهائم.
قال العلماء: صبر البهائم أن تحبس وهي حية؛ لتقتل بالرمي ونحوه. اهــ.
كما رغب الشرع في غرس الأشجار وزراعة كل ما فيه نفع، ورتب على ذلك الخير الكثير والثواب الجزيل، وحذر من قطع الأشجار المثمرة والفساد في الأرض. وسبق بيان ذلك وأدلته في الفتوى: 63086 ، فراجعها.
وإذا كان قطع الشجر للمصلحة أو لدفع المضرة أو للحاجة، فلا مانع من ذلك شرعا، وانظر أخيرا حكم قتل الكلاب في الفتوى: 167917، والفتوى: 373768 عن قتل الحشرات.
والله أعلم.