رفع دعوى كاذبة بقصد الوصول بها إلى الحق

0 27

السؤال

اشتريت حافلة من صديق لي، وقد شرح لي أنهم قد غيروا بعض القطع الخارجية في مقدمتها إثر حادث، وبعد بدء العمل معه كمقاول لشركته (أقوم بنقليات لحسابه)، وكانت الحافلة مسجلة على اسم شركته، ولم أقم بتسجيلها على اسمي؛ لضعفي في أن يكون لي ملف ضريبي، وكان يطلب مني أعمالا خارج نطاق عملي، كمتعهد له، وكنت أساعده كثيرا؛ لكثرة ما كان يشكو من عدم وجود معين له، وأن إخوته والسائقين الذين يعملون معه مهملون، فكنت أقوم بعمل نقلات له على حافلاته (على حساب وقتي وعملي)؛ بحجة أن الزبائن تريد حافلات أحدث من حافلتي، وأسباب أخرى كثيرة، وكان دائما يعطيني أملا أنه سيدعمني، وسوف يقوم بشراء حافلة حديثة لي، وأن أقوم بتسديد ثمنه من عملي، وأن الوضع سيكون مريحا لي، وكنت أعمل معه أمام أغلب الناس كسائقه، وكان يسترد الإرجاعات الضريبية للوقود، والتصليح لحسابه، وأنا كنت أجهل هذه الأمور، وكنت أعمل معه بالأمانة؛ لأني كنت أحسب أنه على خير، ومحافظ على صلاة الجماعة، وما إلى ذلك، وكنت دائما ما أردد له أنا لا أعلم شيئا من هذه الأمور، فاعمل ما تراه مناسبا لي، وبالفعل قمنا بطلب حافلة جديدة لي، وكان الحديث عدة مرات بخصوصه، وأنه سيصل في موعد كذا، ولونه كذا.. إلخ. و
وبعدما يقارب العامين من العمل معه وخدمته، بدأت معاملته معي تختلف، فجلست معه مرتين لأسأله: هل هناك مشكله ما، أو خطب ما؟ فكان دائما يتهرب، فتركت العمل معه، فواجهتني مشكلة عند بيع الحافلة، حيث كانوا قد قاموا بتغيير كامل مقدمته عند تصليحه من الحادث، وعند مواجهته تدخل الأصدقاء، وقام بإرجاع الباص، ودفع مبلغا لي يكون ثمنا له، وكان شرطي أنه إذا أتم كامل المبلغ فسوف أغلق الموضوع، ولكنه قام بالمماطلة، وأخذ يطالب بأغراض كان قد أعطاني إياها في مقابل عمل قمت له به، وأنا أطالب الآن أن يدفع لي مقابل الأعمال التي كنت أقوم بها على مركباته، ومقابل أني كنت أسير له أعماله كمنسق مع سائقيه، بالإضافة إلى أعمال أخرى كثيرة، وكل شيء موثق عندي، وكنت أعمل هذه الأعمال حتى يقوم بدعمي بالحافلة الجديدة، ودعمي في مجال العمل أيضا، ولكنه يرفض الجلوس، وعمل الحسابات والمواجهة، ويرفض أن يعترف أنه أخطأ في حقي، وأن الحافلة الجديدة لي.
وأنا الآن أريد أن أرفع دعوى أتعاب عليه مقابل سنتين عمل عنده، مع العلم أني كنت أعمل متعهدا عنده، ولكنه كان يستغلني سائقا عنده وأجيرا مقابل إيهامي أنه سيدعمني، فهل الدعوى تعد ظفرا بالحق؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كان المقصود بالسؤال هو رفع دعوى كاذبة بقصد الوصول بها إلى حقك، فهذه الطريقة محرمة شرعا، قال ابن تيمية -في تعداد أقسام الحيل-: القسم الثالث: أن يقصد بالحيلة أخذ حق، أو دفع باطل، لكن يكون الطريق في نفسه محرما؛ مثل أن يكون له على رجل حق مجحود، فيقيم شاهدين لا يعلمانه، فيشهدان به، فهذا محرم عظيم عند الله قبيح، لأن ذينك الرجلين شهدا بالزور، حيث شهدا بما لا يعلمانه، وهو حملهما على ذلك، وكذلك لو كان له عند رجل دين، وله عنده وديعة، فجحد الوديعة، وحلف ما أودعني شيئا، أو كان له على رجل دين لا بينة به، ودين آخر به بينة، لكن قد أقضاه، فيدعي هذا الدين، ويقيم به البينة، وينكر الاقتضاء، ويتأول: إني إنما أستوفي ذلك الدين الأول، فهذا حرام كله؛ لأنها إنما يتوصل إليه بكذب منه، أو من غيره، لا سيما إن حلف. والكذب حرام كله. وهذا قد يدخل فيه بعض من يفتي بالحيلة، لكن الفقهاء منهم لا يحلونه. اهـ. من إقامة الدليل على إبطال التحليل.

وقال ابن القيم: القسم الرابع: أن يقصد بالحيلة أخذ حق أو دفع باطل، وهذا القسم ينقسم إلى ثلاثة أقسام أيضا:

أحدها: أن يكون الطريق محرما في نفسه، وإن كان المقصود به حقا، مثل أن يكون له على رجل حق فيجحده، ولا يبينه له، فيقيم صاحبه شاهدي زور يشهدان به، ولا يعلمان ثبوت ذلك الحق.

ومثل أن يطلق الرجل امرأته ثلاثا، ويجحد الطلاق، ولا يبينه لها، فتقيم شاهدين يشهدان أنه طلقها، ولم يسمعا الطلاق منه.

ومثل أن يكون له على رجل دين، وله عنده وديعة، فيجحد الوديعة، فيجحد هو الدين، أو بالعكس، ويحلف ما له عندي حق، أو ما أودعني شيئا، وإن كان يجيز هذا من يجيز مسألة الظفر.

ومثل أن تدعي عليه المرأة كسوة، أو نفقة ماضية كذبا وباطلا، فينكر أن تكون مكنته من نفسها، أو سلمت نفسها إليه، أو يقيم شاهدي زور أنها كانت ناشزا؛ فلا نفقة لها ولا كسوة.

ومثل أن يقتل رجل وليه، فيقيم شاهدي زور ولم يشهدا القتل، فيشهدا أنه قتله.

ومثل أن يموت موروثه، فيقيم شاهدي زور أنه مات وأنه وارثه، وهما لا يعلمان ذلك، ونظائره ممن له حق لا شاهد له به، فيقيم شاهدي زور يشهدان له به؛ فهذا يأثم على الوسيلة دون المقصود، وفي مثل هذا جاء الحديث: أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك .اهـ. من أعلام الموقعين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة