السؤال
من يخرج للتنزه فيصاب بكورونا ويموت، أو لا يضع حزام الأمان بالسيارة، فيصاب بحادث فيموت.
هل يقال إنه برئت منه الذمة، مثل من نام على ظهر بيت ليس له وجاء؟
وجزاكم الله كل خير.
من يخرج للتنزه فيصاب بكورونا ويموت، أو لا يضع حزام الأمان بالسيارة، فيصاب بحادث فيموت.
هل يقال إنه برئت منه الذمة، مثل من نام على ظهر بيت ليس له وجاء؟
وجزاكم الله كل خير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتحرز من الضرر والأخذ بأسباب الوقاية مطلوب شرعا. ومنه ما هو واجب، ومنه ما هو مستحب، بحسب غلبة الظن بحصول السلامة.
ولذلك كان النوم فوق بيت ليس عليه سور ونحوه مما يحفظ من السقوط: مكروها، وليس حراما عند الجمهور؛ لغلبة الظن بالسلامة. وقيل: حرام. وقيل: يختلف ذلك بحسب الأشخاص وبحسب وسع الأسطح، وهذا التفصيل حسن، وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتوى: 58552.
ومعنى "برئت منه الذمة" أي: برئت منه ذمة الحفظ من الله والرعاية التي تكون لمن أخذ بالأسباب الشرعية، ولم يخالف أمر الشرع، ولم يغرر بنفسه، ولم يعرضها للهلاك، ولذلك قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: (برئت منه الذمة) معناه - إن شاء الله -: فقد برئت منه ذمة الحفظ؛ لأنه ألقى بيده إلى التهلكة وغرر بنفسه، ولم يرد فقد برئت منه ذمة الإسلام؛ لأنه لا يبرأ أحد من الإسلام إلا بالكفر. اهـ.
وقال المناوي في فيض القدير: أي عهده وأمانته؛ لأن لكل أحد عهدا بالحفظ والكلاءة، فإذا فعل ما حرم عليه أو خالف ما أمر به خذلته ذمة الله. اهـ.
وقال الصنعاني في التنوير: (قد برئت منه) من حفظه ورحمته. اهـ. وقال في موضع آخر: لم يبق له من الله رعاية ولا عهد .. اهـ.
وعلى ذلك؛ فالخروج للتنزه في أوقات انتشار الأمراض، مما يعرض المرء للعدوى. وترك ربط حزام الأمان مما يعرض المرء لفداحة الضرر عند حصول حوادث السير، وغير ذلك مما يخالف الأخذ بأسباب الوقاية من الضرر: يدور حكمه بين الكراهة والحرمة، فيكره في حال غلبة الظن بحصول السلامة، ويحرم في حال غلبة الظن بحصول الضرر، فمن لم يأخذ بالأسباب الشرعية، يمكن أن يقال عنه: إنه برئت منه الذمة بالمعنى الذي ذكرناه آنفا.
وبخصوص وباء كورونا الحالي فقد علم علما مستفيضا مستندا إلى التقارير الطبية المتعددة، وإلى مشاهدة الواقع أن عدواه تنتقل بأدنى مخالطة، والأخطر فيه أن الشخص يكون حاملا للفيروس ولا يعلم مخالطه أنه حامل له، بل لا يعلم هو نفسه أنه حامل له، ولذلك أعلنت الجهات المختصة أن سبيل الوقاية منه المتاح حاليا- بإذن الله تعالى - هو أن يلزم الأنسان بيته، ولا يخالط أحدا، ولا يخرج من بيته إلا لضرورة أو حاجة مثلها، وإذا كان الناس امتنعوا عن حضور الجمع والجماعات لئلا يضروا أو يتضرروا، فمن باب أولى أن يمتنعوا من الخروج للمنتزهات وغيرها مما هو ترفه، وليس ضرورة ولا حاجة.
وعليه فإن عدم الأخذ بهذا السبب للوقاية من هذا الوباء يعتبر من تعريض النفس للخطر المحقق أو الغالب ظنا، فلا يجوز، حتى يكشف الله هذا الوباء.
والله أعلم.