النهي عن قول القائل: كتب الله البقاء لنفسه

0 21

السؤال

هل عبارة (كتب البقاء لنفسه) غير لائقة في حق الله؛ لأنه حي لا يموت؛ فالحياة وصف ذاتي له؛ لا يفتقر إلى كتابة، بخلاف ما يحكم به كونا أو شرعا، فتتعلق به الكتابة: فالأمر الكوني، كقوله تعالى: (كتب ربكم على نفسه الرحمة)، [الأنعام:54]، وكما في الحديث الصحيح: (لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي)، وفي الأمر الشرعي كقوله:(وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس)، [المائدة:45]، وفي الحديث: (إن الله كتب عليكم الحج).

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فجزاك الله من ناصح خيرا.

فهذه المقولة لا تليق في حق الله تعالى؛ للسبب الذي ذكرت.

وقد سئل الشيخ عبد الرحمن البراك هذا السؤال: قال تعالى: كتب ربكم على نفسه الرحمة [الأنعام:54]، ومن العبارات المتداولة: كتب الله البقاء لنفسه، فهل يجوز إطلاق العبارة الأخيرة؟ وما الفرق بين ما في الآية وما في العبارة؟

فأجاب قائلا: قوله تعالى: كتب ربكم على نفسه الرحمة [الأنعام:54]، وقول القائل: كتب الله البقاء لنفسه؛ الكتابة في مثل هذا التركيب بمعنى: التقدير للشيء، وإرادة حصوله، والرحمة في الآية هي الرحمة الفعلية، التي تكون بمشيئته تعالى، وليست من لوازم ذاته، كقوله تعالى: ويرحم من يشاء [العنكبوت:21]، وقوله: إن يشأ يرحمكم [الإسراء:54]. وأما "البقاء" في العبارة المسؤول عنها: فالمراد به دوام وجوده تعالى، وحياته، وصفات كماله، وذلك كله من لوازم ذاته، ولا تتعلق به المشيئة؛ وبهذا يظهر أنه لا يجوز أن يقال: "كتب لنفسه البقاء"؛ فإن هذا يشبه قول القائل: "شاء الله أن يكون حيا ويكون موجودا"، فكل هذا لا يجوز؛ لأن ما تتعلق به المشيئة، لا بد أن يكون محدثا. اهـ. نقلا عن موقعه على الإنترنت.

وسئل الأستاذ الدكتور محمد بن عبد الرحمن القاضي هذا السؤال: تنتشر بين الناس منظومة أبيات عن (فيروس كورونا)، وفيها قول ناظمها عن الله عز وجل:

إن الذي كتب البقاء لنفسه كتب الفناء على الورى قانونا ...

فهل فيها من محظور؟ أرجو التفضل بجواب يصلح للنشر؛ لأن الناس تداولوها بكثرة.

فأجاب قائلا: عبارة (كتب البقاء لنفسه) غير صالحة في حق الله؛ لأنه حي لا يموت؛ فالحياة وصف ذاتي له؛ لا يفتقر إلى كتابة، بخلاف ما يحكم به كونا، أو شرعا، فتتعلق به الكتابة:

 فالأمر الكوني، كقوله تعالى: كتب ربكم على نفسه الرحمة [الأنعام:54]، وكما في الحديث الصحيح: "لما قضى الله الخلق، كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي".

وفي الأمر الشرعي، كقوله: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس [المائدة:45]، وفي الحديث: "إن الله كتب عليكم الحج" ... اهـ.

وهذا بخلاف قول القائل: "استأثر الله بالبقاء" فليس فيه هذا المحظور، ولا يتعارض مع كون الحياة صفة ذاتية لله تعالى لا تنفك عنه، ولا تتعلق بالمشيئة، إذ معنى هذه للعبارة: انفرد الله بالبقاء، قال أبو منصور الأزهري الهروي في تهذيب اللغة: قوله: ‌استأثر الله ‌بالبقاء، أي انفرد ‌بالبقاء. اهـ.

وقال الحميدي في تفسير غريب ما في الصحيحين: ‌استأثر فلان بكذا، أي انفرد به. واستأثر الله ‌بالبقاء، أي توحد به. واستأثر الله بفلان، أي صيره إليه، كناية عن الموت. اهـ.

وقد استعملها أهل العلم من قديم، قال الزجاج في تفسير أسماء الله الحسنى عند اسم المحيي المميت: المميت الله تعالى خلق الموت كما أنه خالق الحياة، لا خالق سواه، ‌استأثر ‌بالبقاء وكتب على خلقه الموت. اهـ.

وقال البيهقي في الأسماء والصفات: فإنه قد ‌كتب الفناء على خلقه، واستأثر ‌البقاء ‌لنفسه اهـ.

وقال الخطابي في شأن الدعاء: المميت: هو الذي يميت الأحياء ويوهن بالموت قوة الأصحاء الأقوياء {يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير} تمدح سبحانه بالإماتة كما تمدح بالإحياء؛ ليعلم أن مصدر الخير والشر والنفع والضر من قبله، وأنه لا شريك له في الملك، ‌استأثر ‌بالبقاء وكتب على خلقه الفناء. اهـ.

وقال في موضع آخر: لا يجوز أن يدعا بالمحال .. كمن يدعو بالخلود في الدنيا، وقد علم أن الله سبحانه ‌استأثر ‌بالبقاء، وكتب الفناء على جميع خلقه. اهـ.

 والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة